يشهد التاريخ البشريّ لكثيرٍ من العظماء. أمّا يسوع فيبقى الأوّل والأرفع بينهم. قيل فيه في المزامير:”أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.” (مز 45: 2). وهذا النّص الإلهيّ يحكي عن جمال خُلُقِه. بالفعلِ كان “المسيح الإنسان” مسالـمًا ووديعًا وحليمًا (2كو 10: 1). وكان بارًّا لم يخطئ قطّ بلِسانِه، فهو “لَمْ يَفْعَلْ خطيّة، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ” (1بط 2: 22-23؛ 3: 18).
ويصحّ في يسوع الإنسان كلّ ما قاله الآب السّماويّ عنه في نبوّة إشعياء: “هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ.” (إش 42: 1-4).
وكان المسيح متواضعًا حقًّا وليس إدّعاءً (في 2: 6)، حتّى أنّه غسل أقدام تلاميذه ليُعلّمهم التّواضع والخدمة. “قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا،ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا.” (يو 13: 4-5). وعلّم يسوع من خلال حياته ووعظه أنّ الطّريق الصّاعد إلى العلاء هو طريق الخدمة المتواضعة وعدم طلب المراكز والمجد الأرضيّ. وقدّم نفسه مثالاً لتلاميذه، وقال للطّامحين بينهم إلى الأمجاد الأرضيّة: “بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أولاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابن الانسان لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِين.” (مت 20: 26-28).
إنّ تواضع المسيح ووداعته لا يعنيان أنّه لم يكن شجاعًا ومقدامًا ومُستعدًّا للمواجهة. فهو، بالإضافة إلى دخوله الهيكل ومواجهته التجّار والسّارقين فيه، واجه كلًّا من الفرّيسيّين والهيرودسيّين عندما سألوه إن كان يجب أن تُدفَع الجزية لقيصر، فأجابهم بحكمةٍ وبحنكة: “أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّه” (مت 22: 21). وأمر بطرس أن يردّ سيفه إلى غمده، وقال له: “أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟” (مت 26: 53). وواجه السُّلطات في أورشليم منفردًا ووصف هيرودس بجسارة: “قُولُوا لِهذَا الثَّعْلَبِ…”(لو 13: 32). باختصار، كان “يسوع الإنسان” شجاعًا إلّا أنّه لم يكُن شرس الطّباع أو ضرّابًا أو عدائيًّا، فهو كامل الأوصاف بلا منازع.
في الخلاصة، لقد كان يسوع بلا خطيّة، ولم يعرف أيّ خطيّة، ولم يوبّخه أحد على خطيّة ما. سأل يسوع يهود أيّامه: “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟” أمّا هُم فلم يتمكّنوا أن يُعيّروه على أيّ خطيّة بل شتموه. (يو 8: 46). وعلى الرّغم من ذلك حَمَلَ خطايانا، وصار بسببها “خطيّة” لأجلنا لنصير نحن أبرارًا لله فيه (2كو 5: 21). هنا لا بدّ من التّذكير بأنّ يسوع، على الرّغم من كونه “عاجزًا عن أن يُخطئ” لأنّه “الله الابن”، إلاّ أنّه “اختار ألاّ يُخطئ”، و”تمكّن ألّا يُخطئ” ولم يقدر عليه إبليس في أيّ تجربة (مت 4: 1-11). وهكذا غَلَبَ يسوع أقسى التّجارب وصار لنا قدوةً لنقتفي آثاره. قال بطرس أحد تلاميذه الأوائل: “لأَنَّكُمْ لِهَذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ.” (1بط 2: 21). نعم من أراد أن يكون تلميذًا للمسيح عليه أن يقتدي به.