اكتسب يوحنّا لقبه ذهبيّ الفم بعد موته بفترةٍ قصيرةٍ وذلك لأنّ فصاحته وقدرته الخطابيّة كانت فعلًا فريدة. ولد في عائلةٍ أرستقراطيّةٍ غنيّة في مدينة أنطاكيا.
عاش حياةً طاهرةً بسيطةً كانت في حدّ ذاتها توبيخًا للشّعب الّذي كان يخدمه في القسطنطينيّة والّذي كان قد اعتاد معظمهم على البذخ الشّديد. كان متطرّفًا في زهده في الحياة وتمسّكه ببساطة المأكل والملبس. وقد تمتّع بطبيعةٍ مُحبّةٍ ولطيفة. كان عملاقًا في قامته الرّوحيّة والأخلاقيّة وذا عينين يشعّ منهما بريق نافذ يترك أثرًا عظيمًا في سامعيه.
تتلمذ على يد ليبانيوس الّذي أعطاه تدريبًا ممتازًا في الأدب اليونانيّ الكلاسيكيّ وفي فنّ الخطابة حتّى أصبح أساسًا متينًا لقدراته الممتازة في الإلقاء والخطابة. كما مارس المحاماة لفترةٍ من الزّمن.
أصبح راهبًا بعد أن تعمّد في عام ٣٦٨ م. وبعد وفاة والدته في عام ٣٧٤ م مارس حياةً نسكيّةً شديدة التّقشّف حتّى عام ٣٨٠ م. رُسِم للخدمة في ٣٨٦ م وقدّم بعضًا من أفضل عظاته في أنطاكيا حتّى عام ٣٩٨ م. وفي تلك السّنة تمّ اختياره بطريركًا للقسطنطينيّة. وظلّ يخدم في هذا المنصب حتّى نَفيه في عام ٤٠٤ م حيث توفّي.
وربما كان للسّنوات الّتي قضاها في الدّراسة تحت إشراف ديودوروس الطرسوسيّ أثرها في صقل قدرته المميّزة كمفسّر للكتاب المقدّس. وقد حُفِظَت أكثر من ٦٤٠ من مواعظه. ومن يقرأها اليوم لا بُدّ أن يرى غنى خطاباته المذهلة.
ومعظم عظاته تدور حول تفسير مقاطع من رسائل بولس الرّسول. لم يستطع أن يقوم بالبحث النقديّ لنصوص العهد القديم لعدم درايته باللغة العبريّة. اهتمّ بدراسة أهميّة السّياق الّذي كُتِبت فيه النّصوص الكتابيّة وهو يسعى للوصول إلى المعنى الّذي قصده الكاتب الأصليّ ليطبّق ذلك المعنى تطبيقًا عمليًّا على المشاكل الّتي واجهها الناس في عصره.
فقد علّم أنّه لا ينبغي أبدًا الفصل ما بين الدّين والقيم الأخلاقيّة، فالصّليب يسير جنبًا إلى جنب مع الأخلاق ولا غرابة أنّه ما زال يُنْظر إليه أنّه أعظم خدّام الوعظ في الكنيسة الشرقيّة عبر تاريخها.