السّرطان مرضٌ لا يرحم، يغدر بالشّباب والشّيب، ويسلب سكينة البيوت وأمانها. وفي بعض الأحيان، يترك المريض بيته الأرضي وينتقل إلى مسكنه الأبديّ مُخلِّفًا فراغًا رهيبًا وحرقة قلبٍ في نفوس أحبّائه بعد غيابه.
ليس من الممكن أن يتقبّل الإنسان خسارة شخصٍ يراه ينبض بالحياة. فبينما يصرّح الطّبيب المعالج لأهل المريض عن استحالة إنقاذ عزيزهم يرفضون تقبّل هذه الحقيقة. وبالتّالي، حين تدقّ ساعة الرّحيل، تتلقّى العائلة الخبر كشبه العصف الّذي ينشئه التّفاعل النّووي، فيُشَلّ الفكر وتُكبّل الإرادة.
وبحسب ما توصّلت إليه الدّراسات العلميّة، فإنّ العالم سيشهد نسبة وفيّات أعلى في السّنين المقبلة بسبب أنواع الأمراض السّرطانيّة، حيث قدّمت مجلّة The Lancet العلميّة بحثًا تناول أسباب الوفيّات. وبحسب تحاليل وحسابات معيّنة، تمّ إجراؤها، وجدوا أنّه ستتزايد حالات الأمراض السّرطانيّة إلى ما يقارب 30،5 مليون حالة مرضيّة سرطانيّة في العام 2050، ومن بينها سيُسَجَّل 18،6 مليون حالة مستعصية تتسبّب بالوفاة. وبالنّتيجة سيرتفع معدّل الوفيات ليلامس نسبة 74% منها.
وأمام هذه الأرقام الصّادمة يخاف المرء فيلجأ لأساليب تقيه شرّ الإصابة بالسّرطان. وعلى سبيل المثال، يهرع المدخّن للإقلاع عن عادة التّدخين كونها السّبب الأوّل للإصابة بالأمراض السّرطانيّة. وربّما يكون قد فات الأوان، وتعدّى مرحلة الوقاية إذ يكتشف أنّه أُصيب بالمرض وتبعًا ستبدأ مرحلة العلاج ريثما يصل إلى مرحلة التّعافي.
أمّا إذا اكتُشِفَ المرض في وقتٍ متقدِّم، فلن يكون هناك فرصة للنّجاة بحسب الطّب. نظير ما حصل مع جاد. فلقد نُقِلَ إلى المستشفى وهو يعاني ألـمًا شديدًا في أسفل ظهره، وبعد إجراء التّحاليل وصورة PET scan، وُجدت خلايا سرطانيّة في الكلى والرّئتين. وهذا ما يُسمّى بالمرحلة المتقدّمة للمرض حيث لا أمل بالشّفاء. إذ السّرطان الّذي ابتدأ في الكليتين قد انتشر في الرّئتين أيضًا، وباتت كلّ العلاجات ضئيلة المفعول أمام شراسة المرض.
ثمّ صارح الطّبيب عائلة جاد ونبّههم مشدّدًا بألّا يخبروه عن حقيقة مرضه خوفًا من تدهور حالته النّفسيّة، آملًا أن يعيش بسلام آخر شهرين من عمره.
حافظت العائلة على السّر، والله أعطى جاد سنتين وستّة أشهر إضافيّة. خلال هذه المدّة عاشت العائلة حالة من التّرقّب والخوف الشّديد من فقدان عزيزهم في أيّة لحظة.
أمّا جاد فقد فهم المعنى الحقيقيّ للحياة وصار يقرأ الكتاب المقدّس يوميًّا بأعلى صوته، بحيث أصبح الله ملجأه الوحيد، بعدما اختبر هشاشة جسده من جرّاء المرض المرهق. كما كان يستمع إلى الترانيم الّتي تمجّد الله. وخصّص دفترًا لتدوين ملاحظاته كي يتذكّر عن ظهر قلب مقاطع من الكتاب المقدّس، وصار يشارك كلّ مَن التقى به جمال الحياة مع يسوع. واشتهر أمام الأصحاب بقولٍ لطالما ردّده “الكلّ باطل، فقط يسوع يدوم”. وكان يطلب من زوّاره أن يعيشوا مع يسوع ويختبروا الحياة الحقيقيّة. وفي آخر أيّامه، كان يردّد “لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ.”
وبالرّغم من شراسة المرض، ترك جاد لكلّ محبّيه صدًى رائعًا يجذبهم إلى المسيح. حتّى أنّ الرّب كرّمه فرأى عشرة ملائكة بثيابٍ برّاقة آتيةً لاصطحابه قبل أن يُفارق الحياة.
عَيشُ الحياة بالشّكل الصّحيح هو خيارٌ سليم. الحكيم يسعى أن يضمن مقرّه الأبديّ.