التَّأديب غير القصاص؛ فالقصاص هو أجرة قاسية لعمل شرِّير، والتَّأديب هو درس قاسٍ لتأسيس عمل أفضل. إذًا التَّأديب يهدف إلى تعليم الإنسان. فالله لا يرضى بالشَّرِّ ويُؤدِّب الإنسان بهدف تصحيح حياته وتقويم سبيله. لقد سبق للرَّبِّ أن ضرب الأرض في الطُّوفان وفي حريق سدوم وعمورة “وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أنْ يَفْجُرُوا” كما يقول الرَّسول بطرس في رسالته الثَّانية (2: 6).
وبالفعل، كثيرًا ما يدفع الألم والشَّرُّ بالإنسان إلى الإقلاع عن الخطيَّة على طريقة “العلاج بالكَيَّ”. أحيانًا يكون الدَّمار الكبير سبَبًا ليقظة الضَّمير النَّائم والمخدَّر. ثمَّ إنَّ التَّأمُّل بآلام المسيح وموته والشَّرَّ الَّذي تحمّلَه من الخطاة يجعلان الخاطئ يتوب عن خطاياه، والشِّرِّير طريقه ورجلَ الإثم أفكاره (أش 53: 5).
لنتذكَّر أنَّ الأهمَّ في المستقبل هو نفوسنا، لا الشَّرُّ. نفوسنا ستبقى، أمَّا الشَّرُّ فسيزول، وحتَّى الموت سيموت. يجب أن نسأل نفوسنا: أيُّ قيمة لهذا الشَّرِّ في المستقبل؟ بعد سنة؟ بعد خمس سنوات؟ بعد مليونَي سنة؟ إنَّ القيمة هي في الدَّرس الَّذي تعلَّمناه.
إذًا، التَّأديب يهدف إلى تغيير أمور كثيرة فينا. والشَّرُّ كان ضروريًّا في عالمنا ليجعلنا نكره الخطيَّة، وليقوِّي إراداتنا ضدَّها، وقد يكون وسيلة تربويَّة فعَّالة وسليمة. فالتَّأديب يُنشئ فينا توبة وتَوقًا إلى معرفة الحقِّ، فنَستفيق من فخِّ إبليس الَّذي اقتَنصَنا لإرادته لنعمل رضى الرَّبِّ. (2تي 2: 25-26). يستخدم الرَّبُّ الشَّرَّ كعصا التَّأديب الَّتي يستخدمها الأب الـمُحِبُّ عندما يُخطئ أولاده، لتدريبهم في البِرِّ ولسلامتهم في الحياة، حتَّى لو لم يفهموا قصده من ذلك (عب 12: 6-11). ليتنا نتذكَّر دائمًا قول الكتاب: “هُوَذَا طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ اللهُ. فَلَا تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ.” (أي 5: 17).