يُصوّر البعض أنّ الله إلهٌ بعيدٌ وغضوب، يتربّص بالخطايا ليعاقب عليها. فلهؤلاء الله كائن لا متناهٍ لا يمكن أن يكون له مشاعر بشريّة مثل الفرح والحزن والألم، لأنّ هذه المشاعر تعتبر ضعفًا أو تغيّرًا، بينما الله ثابتٌ وكامل. في هذه الأسطر نطرح السّؤال: هل يتجاوب قلب الخالق حقًا مع أفراح خليقته وأحزانها؟ الكتاب المقدّس يفتح لنا نافذة على إجابةٍ مختلفةٍ تمامًا، على قلب إلهٍ مُحِبّ يشاركنا ظروف حياتنا. هذا القلب العاطفيّ ليس ضعفًا، بل هو جوهر طبيعة الله الكاملة، كما يصفه المزمور 103 بأنه “رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ.” وكما قال سي. إس. لويس: “الله ليس إلهًا لا يُبالي، بل هو إلهٌ يشارك في أفراحنا وأحزاننا.”
فرح الربّ وحزنه
ونسأل: ما الّذي يُفرح قلب الرّبّ؟ في العهد القديم يذكر النبيّ صفنيا بأن الرّبّ “يَبْتَهِجُ بشعبهِ العائد إليه فَرَحاً.” وفي العهد الجديد، يؤكّد يسوع أنّ هناك “فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ”. هذا الفرح هو تعبير عن قلب الله الّذي يسعى إلى عودة الضّال إليه.
وفي المقابل، ما الذي يُحزِن الرّبّ؟ إنّه يحزن على خطيئة الإنسان. ففي سفر التّكوين، نرى حزن الله وتأسّفه عندما رأى الشرّ قد ملأ الأرض. إنّ هذا الحزن هو ألم أبٍ يرى أبناءه يختارون طريق الهلاك. قال ترتليان، أحد مُعلّمي الكنيسة الأوائل، إنّ غضب الله وحزنه على الخطيّة دليلٌ على أنّه ليس كائنًا غير مبالٍ. وبالفعل نرى يسوع يبكي على أورشليم، حزنًا على مدينة رفضت الخلاص.
لا تقتصر مشاعر الله على تفاعله مع الخطيّة أو التّوبة، بل تمتدّ لتتجاوب مع مشاعرنا. إنّه يحزن لحزننا ويفرح لفرحنا. هذه الحقيقة تُظهِر أنّ علاقتنا بالله ليست من طرفٍ واحد. فعندما نتألّم، يتألّم معنا. يقول المزمور: “عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ”. هذه الآية تُظهِر أنّ موت المؤمنين ليس حدثًا عاديًّا في عينَي الربّ. وقد بكى يسوع على قبر لعازر. وفي المقابل، إنّ فرحنا يمجّده ويُدخِل الفرح إلى قلبه، كما يقول الرّبّ: “وَأَفْرَحُ بِهِمْ لأُحْسِنَ إِلَيْهِمْ، وَأَغْرِسُهُمْ فِي هَذِهِ الأَرْضِ بِأَمَانَةٍ بِكُلِّ قَلْبِي وَكُلِّ نَفْسِي.”
في قلبه نجد السّلام
إنّ فَهمَنا أنّ الله يشاركنا في أفراحنا وأحزاننا يُغيّر نظرتنا إليه. فهو ليس إلهًا بعيدًا وقاضيًا جامدًا، بل أبٌ يرحمنا لأنّه “يَعْرِفُ جِبْلَتَنَا. يَذْكُرُ أَنَّنَا تُرَابٌ نَحْنُ.” هذه المعرفة تدعونا لنكون أكثر حساسيّةً لمشاعره، ونتجنّب ما يُحزِن قلبه. ففي خضمّ تقلّبات الحياة، نجد عزاءنا في إلهنا. فالله يتألّم معنا عندما نفقد أحبّاءنا، ويُبقي يده معنا عندما نفشل. فكما قال الرّسول بولس، “لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ… تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” وكما أكّد جاي. آي. باكر: “إن الله ليس مجرّد فكرةٍ مجرّدة، بل هو شخصٌ يُحِبّ ويكره، يفرح ويحزن، يغضب ويرحم.”
يُشجّعنا وعد يسوع المسيح القويّ في ظروف حياتنا الصّعبة كافّة: “قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ.” هذا الوعد هو قلب رجائنا، فهو يضمن لنا أنّ الغلبة النهائيّة هي له، وأنّنا لا نواجه عواصف الحياة وحدنا، بل في حضوره الّذي يمنحنا القوّة والعزاء.