نحن ميَّالون إلى الظَّنِّ أنَّ كلَّ شرٍّ يقع هو بسبب خطيَّةٍ ارتكبها الإنسان. لكنَّ الأمر ليس كذلك. فهناك شرور يسمح الله بها ليتمجَّد من خلالها، كما أجاب يسوع عندما سأله تلاميذه عن إنسان أعمى منذ ولادته: “يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أمْ أبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟ أجَابَ يَسُوعُ: لَا هَذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ، لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ” (يو 9: 2- 3).
في أحوال كهذه يسأل الإنسان: “لماذا يا ربُّ سمحتَ بذلك؟ لماذا يا ربُّ سمحتَ بولدٍ “مانغوليٍّ” (لفظة بالعامية لمن يعاني متلازمة داون)؟ لماذا يا ربُّ سمحتَ بولد مريض أو أعمى؟ ما هو سبب وجود نفسيَّة تبحث عن الخطيَّة أو الذَّنب، وذَنْب مَنْ هذا؟ إنَّ السَّبب لا يَقَع على أحد. فالأهل لا يُلامون ولا المريض ولا حتَّى المجتمع. ففي هذه الحال، لا وجودَ لخطيَّة ارتكبها الوالدان. وهنا يُطرَح السُّؤال: هل يُلام الله إذًا؟ عندما يُمطِر الله بركاته على الأبرار والأشرار معًا، هل يتذمَّر أحد ما؟ إذًا لماذا نُفاجأ عندما تقع آثار الخطيَّة الأولى على الأبرار والأشرار؟ هذه الأمور ستحدث ليتمجَّد الله من خلالها، وبالتَّالي ليستفيد الإنسان. لذا، دعونا ننظر إلى ما هو أبعد من المصيبة أو الشَّرِّ الواقع لنرى مجد الله. يقول بولس الرَّسول: “لِأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَديًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لَا تُرَى. لِأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لَا تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.” (2 كو 4: 17-18).
ليَكن عندنا يقين الإيمان بأنَّ الله يُظهِر، بعد عبور الشَّرِّ، رحمته على النَّاس، كما تَظهَر أشعَّة الشَّمس بعد الغيوم المُلبَّدة والعواصف الشَّديدة، فتَظهَر المروج الخضر وبركات الطَّبيعة. نعم يَحقُّ لله، كخزَّافٍ له سلطانٌ على الطِّين، أن يصنع من كتلةٍ واحدةٍ إناءً للكرامة وآخر للهوان، وأن يُعيد تشكيل الطِّين كما يشاء لكي “يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ.” (رو 9: 22-23). لقد عانى بولس الرَّسول كثيرًا الأمراض الجسديَّة وعَداء الأعداء وخِيانة الأصدقاء وكلَّ صعوبات الحياة، إلَّا أنَّه آمن دائِمًا: “أَنَّ آلَامَ الزَّمَانِ الحاضِرِ لَا تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فينا” (رو 8: 18).