إنّه البطريرك العشرون لكرسيّ الإسكندريّة. وهو من الآباء المدافعين عن إيمان الكنيسة الجامعة بخصوص لاهوت السيّد المسيح. وُلِد هذا القدّيس في مدينة الإسكندريّة وكان أبواه وثنيَّين وقد توفّي والده وهو صغير فأرسلته أمّه إلى مدرسة للمسيحيّين.
يظهر نضوجه الْمُبكر من كتابيه “ضد الوثنيين”، وكتاب “تجسّد الكلمة” اللذين وضعهما قبل عام 319 م (عن عمر يناهز 26 عاماً)، الأوّل دعا فيه الوثنيّين إلى ترك الوثنيّة، والثّاني عرض فيه فكرًا لاهوتيًّا بأسلوبٍ علميّ عن التجسّد الإلهيّ.
قيل إنّ أثناسيوس الكبير كان رجلًا صغيرًا منحنيًا، بعينين ثاقبتين وبشخصيّةٍ اتّسمت بالقوّة لدرجة أنّ أنصاره كانوا مخلصين بشغف وأعداءه يخشونه ويكرهونه على حدّ سواء. كان الشخصيّة الأكثر تأثيرًا في القرن الرّابع في كلّ من الإمبراطوريّة الرومانيّة وفي جميع أنحاء العالم المسيحيّ.
كان للإسكندريّة في العام 313 م أسقفًا اسمه الإسكندر. وبينما كان يسير في الشّارع لفتت انتباهه شلّة من الفتيان. لم يكونوا منخرطين في الرّياضات والألعاب العاديّة، الّتي غالبًا ما تستحوذ على اهتمام الفتيان. كان بإمكانه رؤية شيءٍ جادّ مميّزٍ في سلوك هؤلاء إذ كانوا يلعبون دور “الكنيسة”.
وكان بينهم قائدٌ ومؤثّرٌ تولّى ترؤّس العبادة. هذا الفتى كان يتمتّع بفهمٍ لنظام الكنيسة، والمكوّنات المختلفة لليتورجيا، ومعرفة، ولو قليلة، للاهوت الّذي أعجب به الأسقف بشدّة. حتّى أنّ الشّاب قام بالمعموديّة بالتّغطيس!
وعندما رأى الأسقف الإسكندر إمكانات هذا الشابّ، عرض عليه منصبًا في مكتبه كسكرتير. كان اسم الشّاب أثناسيوس. وبعد اثني عشر عامًا، وكان قد ناهز عمره 32 عامًا، رافق الإسكندر إلى المجلس المسكونيّ الشّهير في نيقية في العام 325 م.
وعندما كان الأسقف الإسكندر يحتضر في الإسكندريّة عام 328 م، رشّح أثناسيوس، ليخلفه. هكذا، ولأكثر من أربعين عامًا، كان أثناسيوس يؤدّي دوره ببسالةٍ وإخلاص. وقد واجه الأريوسيّة في نيقيا والّتي عادت وتسلّلت إلى بلاط الإمبراطور قسطنطين بينما كان يُظنّ أنّها قد أُطفِأت في مجمع نيقية. وهكذا، سرعان ما أصبح أثناسيوس البطل الأوّل في الدّفاع عن عقيدة الثّالوث الأقدس داخل العالم المسيحيّ.
وبسبب موقفه المتميّز في الدّفاع عن الإيمان، سعى أعداؤه إلى تشويه سمعته بالافتراءات والادّعاءات لأكثر من أربعة عقود. فتمّ نفيه خمس مرات من قبل الإمبراطور إلى مواقع مختلفةٍ في أوروبّا وأفريقيا. وفي المرّة الخامسة، عندما كان رجلا عجوزًا، اختبأ في قبر والده لمدّة أربعة أشهر.
بالمختصر، طوال محنته رفض أثناسيوس الإستسلام والانحناء للخصوم. فازت حججه بالجدل. إلّا أنّه لم يعش ليرى البيان والقانون النهائيّ لمجمع نيقية.
أنهى أثناسيوس أيّامه بسلام. وقال لأحد مؤيّديه قبيل موته، “كن مبتهجًا، إنّها مجرّد سحابة، ستمرّ قريبًا”. لا يزال أثناسيوس مثالًا لبطل إيمان وقف بثبات من أجل الإيمان بالثّالوث الأقدس، وبألوهيّة المسيح، على الرّغم من أنّ العالم كان ضدّه. تحثّنا سيرته العطِرة للوقوف إلى جانب الحقّ ولو منفردين. الأهمّ أنّه كان أمينًا وحافظ على وديعة الإيمان المُسلّم مرّة للقدّيسين.