قد لا يظنّ الوالدَين أنّهما يُخطئان في تربية أولادهما، فتمرّ الأيّام قبل أن يعترفا بنقصهما هذا ويندمان على ارتكابهما الأخطاء الّتي يصعب إلغاء مفاعيلها بسهولة. لقد عالجنا في الأعداد السّابقة ستّة أخطاء: الإهمال، الحماية المفرطة، عدم الحوار والإرشاد، الحريّة من دون ضوابط، القسوة المفرطة، وعدم تعبير الأهل للأولاد. وفي هذا المقال، سننتقل إلى معالجة المزيد من الأخطاء.
الخطأ السّابع: المقارنة مع الغير. بينما يربّي الأهل الأولاد، ويحاولون توضيح مبتغاهم، لا يجدون سبيلاً إلى ذلك إلاّ بتقديم نموذج مرئيّ وملموس عن أخ أو أخت أو ابن عائلة فلانيّة…. “لماذا لا تكون مثل فلان”. في هذا المجال، تُحذّرنا كلمة الرّبّ من أن “نفتخر إلى ما لا يُقاس، بل بحسب قياس القانون الّذي قسمه لنا الله”. فلكلّ إنسان شخصيّته، وأسلوب المقارنة بالآخرين لا ينفع، وهو سيف ذو حدّين. فالولد، بدوره، سيقارن والدَيه بآخرين، وسوف يضطرّ إلى التّفتيش عن نواقص الولد الآخر والتّهجّم عليه ظنًّا منه أنّه بذلك يحصّن موقعه. قد تولّد فيه هذه المقارنات نقمةً ومرارةً وكرهًا للشّخص الآخر، وغيرةً وحسدًا من الآخرين، وشعورًا بالرّفض وعدم قبول أهله به. كما أنّها قد تنمّي فيه رذيلة النّميمة، وتخلق فيه شخصيّة مرائيّة تحاول تمثيل الدّور المطلوب، وإنْ بتصنّع. ولعلّ أسوأ ما في الأمر، أنّ ذلك قد يؤدّي إلى ابتعاد الولد عن أهله، وقد يصل به الأمر الى أن يكره نفسه ويحتقر شخصيّته، وبالتّالي يصبح إنسانًا سلبيًّا. وقد يفعل أمورًا مشينة للفت الانتباه أو للانتقام.
لذلك، علّم ولدك المبادىء، وضع أمامه المقياس الإلهيّ المطلوب في كلمة الرّبّ من دون مقارنته بآخرين. فالمطلوب هو عمل الصّواب، بغضّ النّظر عمّا يفعله الآخرون، بخاصّة وأنّ الفساد مُستشرٍ بين النّاس. وقدّم له أمثلة أو نماذج لأشخاص من الكتاب المقدّس، وكيفيّة تصرّفهم في مواقف مشابهة، كما يقول الرّسول بولس: “تمثّلوا بي كما أنا بالمسيح”. كما عليك أن تُردّد على مسامعه كم تُحبّه وتفتخر به، وتُعطيه الثّقة بأنّه مقبول كما هو، وتساعده على تقبّل شخصّيته والتّغلّب على ضعفاته.
الخطأ الثّامن: كثرة الانتقاد. هناك أهل “لا يعجبهم العجب”، كما نقول. فمهما فعل الولد لا يكفي، “كان بمقدوره أن يفعل أفضل”. حتمًا هم لا يعرفون قدرة أولادهم وخصائص أعمارهم، أو أنّهم لا يريدون الاعتراف بذلك لأنّهم يرفضون الواقع. إنّ كثرة الانتقاد، في كلّ وقت وعلى كلّ أمر، يُفشّل الولد ويُحطّمه، ويسبّب له حالة من اليأس والإحباط والاستسلام، بخاصّة أمام النّاس. أعرف أبًا كلّما سُئل عن ابنه يقول: “مش نافع، مش طالع من أمره شي”. هذا النّوع من الانتقاد يُحطّم ولا يبني. لأنّ الولد، إذا وصل إلى قناعة أنّه مهما فعل لن يُرضي أهله، قد يستسلم ويفقد كلّ دافع للتّقدّم، وقد يصل إلى حالة فيها يقتنع بأنّه غير صالح وغير نافع لدرجة اليأس والكآبة. وعلى النّقيض من ذلك، هناك أهل يمدحون أولادهم على كلّ أمر، فينفخون فيهم ويدفعونهم إلى الكبرياء والغرور، فيكبر الولد ولا يتقبّل أيّ نوع من الملامة أو التّوبيخ. إن كلا النّقيضَين مُضرّ.
الانتقاد البنّاء له أسلوبه وهو مهمّ. يقول الرّبّ: “الكلمة في وقتها ما أجملها”. لذا، انتقد ولدك، فأنت أفضل مَن يسمع منه الانتقاد؛ فمَن أكثر محبّةً من الأهل ليُريَ الولد خطأه؟ ولكن، ساعده عمليًّا على تخطّي هذه الأخطاء والتغلّب عليها، وتذكّر أنّ للانتقاد حدود، ويجب أن يكون متوازنًا، في موضعه ووقته، وأن يترافق مع المدح كلّما استحقّ الولد ذلك. وإنْ كنت مِمّن لا يمدحون، لا تنتقد أبدًا. افتح عينيك وانظر الى الأمور بوضوح تامّ. كن مُتجرّدًا ومُنصفًا. وإن كان لا بدّ من انتقاد ابنك على أمر ما، فاختر الظّرف المناسب لتوجّه الانتقاد له، وليس عندما يكون مُحبطًا أو حزينًا.
الخطأ التّاسع: عدم وجود القدوة الصّالحة عند الأهل. إنّه أسوأ خطأ على الاطلاق. كثيرون الّذين يطلبون إلى أولادهم التّوقّف عن ممارسة بعض الأمور، ويسمحون لأنفسهم بممارستها. فمثلاً، يمنع الأهل أولادهم من التّدخين وهم يدخّنون، أو يمنعون أولادهم من مشاهدة بعض البرامج والأفلام بحجّة أنّها غير أخلاقيّة، بينما يسمحون لأنفسهم بمشاهدتها، أو يطلبون إلى أولادهم الكذب على النّاس للتّهرّب من الإجابة على الهاتف، ثمّ يعاقبونهم إذا كذبوا عليهم.
انتبه! فالولد يلاحظ بدقّة كلّ ما تفعله. وهذه الملاحظة هي للأب والأمّ على السّواء. فإنْ علّمته أيّ مبدأ من دون أن تحيا أمامه في المستوى نفسه، سوف يحتقرك في داخله، وإنْ لم يُصرّح بالأمر. فمثلاً، إن علّمته عدم الكذب، عليك أنْ تتكلّم بالصّدق أمام النّاس. وإنْ كنت لا تريده أن يكون نَمّامًا فلا تتكلّم على الآخرين. وإنْ حذّرته من السّرقة، كن مستقيمًا في تعاملك مع النّاس. وإنْ علّمته الصّراحة لا تكن مرائيًّا. وإنْ علّمته مخافة الله عِشْ إيمانك بحسب كلمة الله وتعاليمه. فالولد قد يتصرّف كما يُطلَب إليه، لكنّه، عندما يرى أهله يتصرّفون بشكل مختلف، فسوف يتبلّد ضميره ويسمح لنفسه بعمل هذه الأمور سرًّا من دون الشّعور بأيّ ذنب.
جميع الأولاد يُخطئون، لكنّ الولد الّذي تربّى بصورة صافية سيؤنّبه ضميره ولن يريحه حتّى يصحّح الخطأ. يجب أن يتربّى الولد على معرفة الصّحّ والخطأ والتّمييز بينهما. وهنا، يجب أن نعرف أنّ التأثير الأقوى في حياة أيّ ولد هو البيت. تستطيع أن تلوم المدرسة والرّفاق أو الكنيسة، فكلّها لها تأثيرها، لكن يبقى البيت هو العامل الأكبر والأوّل. فافْحَصا نفسَيْكُما أيّها الأب وأيّتها الأمّ قبل كلّ شيء. كونا متّفقَين على نهجٍ واحدٍ في التّربية. كونا صادِقَين مع نفْسَيْكُما، وعيشا كلّ ما تقولانه في السّرّ والعلن، كما ربّنا يسوع المسيح الّذي كان “يفعل ويعلّم”. أيّها الأب وأيّتها الأمّ، إنّ ولدكما يعرفكما جيّدا في سرّكما، في بيتكما وفي حياتكما اليوميّة من دون أقنعة. تُرى، ماذا يرى أولادنا فينا؟؟ اسألا نفْسَيْكما هذا السّؤال بإخلاص.
هذه كانت بعض الأخطاء الّتي تؤثّر سلبًا في الأولاد، ونستطيع أن نعدّد الكثير غيرها أيضًا، لكنّ المجال لا يسمح لذكرها جميعها هنا. والأهل الحريصون على تربية أولادهم تربية صالحة، فليطلبوا إلى الله الحكمة لفعل الصّواب بجسب كلمته، وهو كفيل بأن يَحصدوا ما يزرعونه. يستحقّ كلّ ولد أفضل تربية تُساعده على أن يكون شخصيّة طيّبة ومحبوبة ومتَّزِنة وناجحة.