“عندما يبلغ ولدك الثانية عشرة من العمر ضعه في برميل وأغلق الفوهة بإحكام وأطعمه من خلال ثقب. وعندما يبلغ السادسة عشرة أغلق هذا الثقب بالكامل”. هذه كانت نصيحة الكاتب الساخر مارك توين، فكاهة ظريفة بالطبع القصد منها أن المراهقة ليست سهلة أبدًا لا على الأهل ولا على الأولاد.
“أصبح ولدي شخصًا آخر”. “لم يكن هكذا من قبل”. “لا أعلم ما حصل له. أكاد لا أصدق”. “وكأن ولدي يكرهني” … كلّها عبارات من الأهل خلاصتها: أصبح ولدي مراهقًا وتغيّر كل شيء.
المراهقة هي الفترة الممتدة من عمر البلوغ إلى النضج. وهي المرحلة التي ينتقل فيها الولد من مرحلة الطفولة والاتكال على الأهل إلى مرحلة الاستقلال والاتكال على النفس. إنها مرحلة التغيير الكبير. التغيير على كل الأصعدة: البيولوجي، الفيزيولوجي، العاطفي، النفسي، الروحي والاجتماعي. المراهق إنسان يبحث عن أجوبة على أسئلة: من أنا؟ بماذا أؤمن؟ ما دوري في الحياة؟ وما هي هويتي؟ وهي بالتالي مرحلة صعبة للغاية وحالة من الصراع مع الذات والمجتمع. إنّها المرحلة التي يكف فيها الولد عن اعتبار أهله كاملين ويرى أخطاءهم بأكبر مما هي عليه فعلاً. تصبح مبادئ رفاقه أكثر منطقية النسبة إليه وأكثر صحّة، وكسب رضاهم أهم من كسب رضى أهله. يشعر بالحاجة إلى تكوين قناعاته الخاصّة ولا يعود تابعاً لأهله. ويأخذ بالتشكيك بكلّ مبادئ أهله والمجتمع والكنيسة. يكتفي البعض بالتعبير عن هذا التمرد في لباسه وشكله والموسيقى التي يسمعها، بينما يذهب البعض الآخر إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير فيتمرد على كل القيم. ويبدأ الصراع المرير بين الأهل والأولاد: الصراع على السلطة.
أسباب التمرد
هل تشعر أن زمام الأمور أفلت من يدك وأنك فقدت السيطرة؟ هل تشعر باليأس؟ إيّاك ان تفعل ذلك فأنت لست وحدك في هذه المعاناة.
لكن لماذا هذا التمرّد؟
يودّ المراهق ان يعلن أمرًا: يريد أن يبرهن للعالم أجمع “إنني مستقل، لا أريد سيطرتكم بعد الآن، أنا من يقرر، أنا حر”. ويعبّر عن هذا التمرّد بالعدائيّة والرفض. وهو تمرد يتفاوت بين ولد وآخر.
هناك أمور عدّة تؤثر في درجة هذا التمرد:
التغيير الهرموني: وهو المسبب الأساسي لهذا التغيير المزاجي والنفسي. ويعاني فيه المراهق الكثير من عدم الثقة والكآبة والوحدة.
تأثير الأصدقاء: فكلّما كانوا سيئين كان تأثيرهم أبشع. “لأن المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيّدة” (1 كور 15: 33).
ظروف الحياة الصعبة كموت أحدهم أو مرض أحدهم. ويتفاعل المراهق مع هذه الأمور بتطرف وردات فعل عنيفة.
المشاكل العائلية: تشير الإحصاءات إلى أنّ الأولاد الذين يعيش أهلهم في صراع دائم هم الأكثر عرضة للانحراف صوب الطرق الخطيرة. وهي الطريقة التي يعبّرون فيها عن ردّة فعلهم وغضبهم وانتقامهم من أهلهم. كذلك هي حال الأولاد المتروكين الذين يتغيّب أهلهم عنهم كثيرا.
ما المطلوب من الأهل؟
من المؤكّد ان استقلال ولدك أمر طبيعي وصحي. لكن إذا أفلت تمرّده من سيطرتك بالمطلق تقع المصيبة الكبيرة. فكم من ولد شرد وانحرف وضيّع مستقبله بسبب هذه الفترة. ما العمل إذا، وكيف أتصرف؟ إليك بعض الأمور التي قد تساعدك (الأب والأم على السواء) في التعامل مع المراهق (والمراهقة).
اختر معركتك بنفسك. المراهق يحب التحدّي في كلّ الأمور وهو ما يدفعه إلى الجدال وإلى رفض معظم الأشياء. ولا بد في هذه الحال من أن تحدد الأمور التي تستحق الجدل ولا يمكنك التساهل فيها أبدا والتغاضي من ثمّ عن الأمور الثانوية. لا تحرق رصيدك الأبوي كلّه للفوز بأمور ثانوية، فتجد مع الأمور الأهم أنّك قد استهلكت رصيدك كله. لا يمكنك الظهور بمظهر الأب الرافض لكلّ شيء ولا يعجبك عاجب. ولا بد هنا من اعتماد الحكمة في تحديد الأهم وبخاصة في الجانب المتعلّق بالأخلاق. ودع لولدك أن يكتشف خطأه في الأمور الثانوية. وتدخّل بحزم وبثقلك كلّه في الأمور الجوهرية.
تفهّم ولدك: يجب أن تدرك تمام الادراك ما يحصل معه. وأن تفهم عمر المراهقة وتعرف كلّ ما يؤثر في ولدك. وكثيرًا ما يعاني المراهق من خطب بمفرده ويتخبط ويتصارع معه. لذا حاول البقاء قريبًا منه من دون إزعاجه.
عامله باحترام فهذا أمرٌ غاية في الأهمية في هذا العمر. واعتذر منه إذا أخطأت في حقّه فتكبر في عينيه. خاطبه باعتزاز وفخر وأشعره بأنك تثق به. الثقة، وليس التحطيم، هي التي تعطيه دفعا خاصًّا للقيام بما يتوجّب عليه القيام به وحافزًا ليصحّح طرقه. إياك ومقارنته بالآخرين لما لذلك من مفعول سلبي عليه.
لا تفرّط في حقك وفي دورك الأبويين. من حقّك أن تعرف مكان وجوده ومن يرافق؛ بل انه واجبك.وكلّ تراخِ في هذا المضمار هو تقصير منك. صحيح أنه عليك أن تُشعره بالثقة لكن لا تتغاضَ بالمطلق.”فأي ابن لا يؤدّبه أبوه” (عب 12: 7).
حدّد له مسبقاً، وبوضوح، مساحة حريته: كثيرًا ما يعتمد المراهق أسلوب التمرّد طمعاً في ن يحصل في النهاية على مبتغاه. لذا لتكن نَعَمُك “نَعَماً” ولاؤك “لا”. التزم بما تقول ولا تضيّع ولدك بالتردّد، لا تتسرّع في الرفض بل قم بذلك بعد إمعانٍ في التفكير. واشرح له تكراراً الغاية من هذه الحدود المرسومة. فالمراهق شخص منطقي والحدود الواضحة تريحه. والسلطة الأبوية تشعره بالأمان وبالاستقرار النفسي بالرغم مما يعبّره عن رفض لها لأن “كلّ تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن. وأمّا أخيرًا فيعطي اللذين يتدرّبون به ثمر بر للسلام” (عب 12: 11).
حافظ على صورتك السامية في نظر ولدك؛ وعلى هيبتك. كما يقول الرب “قد كان لنا أباء أجسادنا مؤدّبين وكنا نهابهم” (عب 12: 9). مارس القيم التي تطلب منه التزامها. عامل شريكك باحترام أمامه أيضًا. فالسلطة الأبوية هي عند الأب والأم معا وهي أساسية. وتتوقّف خياراته اللاحقة وصداقاته مع الجنس الآخر كثيرًا على نظرته إلى البيت.
عبّر له دائمًا عن مدى حبّك له لأنه يحتاج إلى أن يسمع ذلك مرارًا وتكرارًا مهما كان الوضع. ورابط المحبة هو من أكثر الأمور التي تحميه من خياراته. “لأن المحبة قويّة كالموت” (نشيد 8: 6).
خصص وقتًا لولدك بكل ما للكلمة من معنى. ولا يعني هذا مجرّد وجودكما معًا في البيت أو في المكان نفسه. أمضيا الوقت معًا. لا تنتظر منه أن يحادثك ويخبرك بل استلم أنت دفّة الأحاديث. تولّى بنفسك طرح الأسئلة ولا تهلع إذا رفض الإجابة أو أشعرك بعدم الاكتراث. وفي وسعكما أن تقصدا معًا مطعماً أو ممارسة رياضة المشي…. أو أي هواية أخرى.
كن رفيقًا خفيف الظل. أحط بكلّ جوانب حياته بسلاسة دون أن تُشعره بعدم الثقة. “أيها الآباء لا تُغيظوا أولادكم لئلا يفشلوا” (كولوسي 3: 21) . وتتيح لك التكنولوجيا المتوفّرة اليوم طرقاً ظريفة عدّة للقيام بذلك، فاستخدمها من دون أن تحرجه.
أشغل وقته. لأن الفراغ يولّد الملل والكسل والأخلاق السيئة والبحث عن طرق لإضاعة الوقت.حاول أن تملأ وقته بمسؤوليات وأمور وهوايات مفيدة.
أخيرًا تذكّر أن المراهقة مرحلة عابرة فدعها تمرّ بسلام من دون أثمان باهظة و”إنّما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر. فسيُعطى له” (يع 1: 5)