لم يكن ظهور القسّيس إدكار طرابلسي على التلفزيون، طارحًا الصّوت في وجه نوّاب الأحزاب المسيحيّة، في مسألة تعديل القوانين المتعلّقة بالمثليّين، سوى صوتٍ هادرٍ ونادرٍ في صحراء الفكر والمجتمع اللبناني الجافّ، وحافزٍ كبيرٍ لي أنا، لكتابة هذه المقالة. ومن عادة القسّيس تمشيط ratissage كلّ المسائل الّتي يتكلّم عنها لذلك تجد أنّه من العبث أن تزيد شيئًا على ما يقوله ومع ذلك كتبت التالي: بات واضحًا موقف الكنيسة من مسألة الشّذوذ الجنسيّ، فمن سفر اللاويين إلى رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية وأيضًا رسالته الأولى إلى تيموثاوس، نجد الموقف الكتابيّ الصّحيح ولا نحيد عنه لذلك لم يعد ثمّة عذر لتشويه الحقيقة والمنطق وطبيعة الإنسان كما خلقها الله وارادها أداة خير ومحبّة و وسيلة ارتقاء إلى المجد الإلهيّ.
ولكن حلبة الصّراع لا تزال مفتوحةً بين الخير والشّر وأبواب جحيميّة واسعة لا تنفك تصدّر الشرور إلى عالمنا بكلّ الطّرق والوسائل الملتوية الإجراميّة والشّيطانيّة. فإذا تناولنا بداية المصطلح اللغوي لكلمة “مثلي”، نجد أنّ حرب المصطلحات هي أشنع حرب وبداية الفتن ونقطة انطلاق الصّراعات ولا تقلُّ خطرًا عن حرب نوويّة لا بل أكثر شراسةً منها وأشدّ فتكًا. ففي اللغة العربية يطلق على اللواط والسّحاقيات صفة شاذّ أو شاذّة وترفق الصّفة بنعت: “جنسيّ”. وذلك لأنّ اللغويّ الّذي وضع المصطلح يغلب على عقله هاجس حميد وهو الوضوح والتّفسير من جهة، ومن جهة أخرى، وهذا الأهمّ بالنّسبة إليه، هاجس اللغة ومنطقها. فاللغويّ يتعامل مع المصطلح مثل الصّائغ الّذي يتعامل مع الحليّ والجواهر ولكن ومنذ عقدين أو أقلّ استبدلت كلمة “شاذ” بكلمة “مثلي” وهي تعني المماثل أو المشابه وهي في الأساس صفة وليست اسمًا، مشتقة من أداة التشبيه: “مثل” وياء النّسبة؛ كأن تقول فلان مثلي أنا في حبّه الشّعر والصّلاة.
أجل يدخل تبديل المصطلحات “بهدوء وعلى السّكت” على اللغة، كما ينسلّ السّارق بغية إزالة المعنى الأصليّ والحقيقّي واستبداله بكلمةٍ رماديّةٍ مائعةٍ غير محدّدة، والحجّة أنّ كلمة شذوذ قاسية وتدلّ على جريمة، والسّؤال الجذريّ: من بدّل المصطلح في وسائل الإعلام والتّلفزيون والصّحف؟ أمّا الجواب فيبقي على طريقة الشّاعر إيليّا أبي ماضي: لست أدري ..
وأيضًا، في عالم الفنّ السّمعيّ والبصريّ، من تلفزيون وسينما ومسرح، من يستطيع أن ينكر سيطرة اليد الشّيطانيّة على هذا الفنّ وخاصّة على أفلام الرّسوم المتحرّكة وهي تعجّ بالجنس والخلاعة والتّجديف والتّحريف وهي موجّهة للأطفال والكبار على حدّ سواء. وكمثالٍ فاضحٍ، نذكر مسلسل عائلة سيمبسون وهو مسلسل كرتونيّ شهير ضرب الرّقم القياسي في عدد الحلقات والمشاهدين في كلّ أنحاء العالم، وفي نسبة قلّة الحياء فيه، وهو محشوّ بالتّفاهات والغلاظة وانعدام الشّرف، وفيه عدّة حلقات تتناول شخص المسيح الحاضر في الحلقات بين الشخصيّات الكرتونيّة بطريقة كوميديّة هازئة ومذلّة …
أمّا فيلم باربي الاشكاليّ الّذي شغل النّاس وأقام الدّنيا ولم يقعدها في يومنا الحاضر، فهو نموذجٌ صارخٌ لما يعرف باستراتيجّية الترويج للخلاعة بشكلٍ مستترٍ ولا شيء غير ذلك فلا قيمة فنيّة له ولا أيّ ارتباط بالواقع.
نعرف أساسًا أنّ دمية باربي هي في الأصل لا تحاكي مفهوم الدّمية الّذي وجدت من أجله، حيث تتماهى البنت الصغيرة مع دور الأم في العناية بطفلٍ صغير . أمّا دمية باربي في الأصل كما أرادها صانعوها هي نسخة لفتاة بالغة وجميلة فاتنة، تعيش حياة البالغين وحياة الأثرياء الرّغدة؛ حياة الشّبان والشّابات، المنعّمين وتسكن قصرًا وتقضي وقتها مع شلّة أصدقاء حول حوض السّباحة أو في ممارسة رياضة ركوب الخيل.
وقد أتى الفيلم تكملةً لهذه الصّورة التّافهة السّطحيّة والّتي تجعل من المشاهد يعيش في فانتزمات مضرة وتدخل إلى لا وعي اليافعين فتعيث فيه فسادًا.
كلّ هذه الشّواهد أوردناها في هذه العجالة لنقول أنّ العالم الّذي نعيش فيه تتحكم به عقول شيطانيّة مدمّرة ساحقة ماحقة هدفها إعطاب الحياة الطبيعيّة الإيمانيّة الّتي عرفها الإنسان مذ وجد على هذه الأرض. وأجل، ثمّة نظريّة مؤامرة وليس الأمر وهمًا أو حتّى نظرّية بل المؤامرة في ذروتها وكلّنا في المواجهة، لذلك علينا أن نحذر ونرفع نسبة التيقّظ والاستننفار إلى أعلى درجة!