كلمة فوبيا Phobia أو الرّهاب تعني الخوف الشّديد من أمرٍ أو موقفٍ أو حالةٍ معيّنة. كلّنا يعرف مثلًا معنى كلمة Claustrophobia او الخوف من الأماكن المغلقة مثل المصعد. هناك من لديه رهاب من الأماكن العالية أو رهاب الحشرات… الخ. أمّا ال “نوموفوبيا” أو Nomophobia، فهي مصطلح جديد زيد على القاموس ويعني الخوف من فقدان إمكانيّة التّواصل بواسطة الموبايل الخاصّ بي وذلك لأيّ سبب. الكلمة نوموفوبيا مشتقّة من الكلمات التالية“NO MObile PHOne PhoBIA”. فعدم وجود جهاز الهاتف بشكلٍ دائمٍ في يد صاحبه، أو ضياعه، يسبّب له التوتّر الشّديد، أو الاكتئاب، أو الصّداع. إمساك الموبايل في أيّامنا يُشبِه، إلى درجة ما، حمل علبة السّجائر في الماضي. أذكر جارةً لنا كانت تصرخ دائمًا بزوجها “شيل من إيدك السّيجارة واعمل شي ينفع”. أمّا في أيّامنا فنحن نصرخ بأولادنا “شيل من إيدك الموبايل واعمل شي شغلة تنفعك”. البشع في الموضوع هو أنّ الموبايل هذا يأخذ كامل اهتمام صاحبه فيشغله عن محيطه، بينما كان التّدخين، على الأقل، أمراً يُمارس بالتّزامن مع إمكانيّة التّحدّث مع النّاس. غريبةٌ هذه الكلمة النّوموفوبيا ومعبّرة جدًّا لأيّامنا.
طبعًا نحن لسنا هنا بمعرض علاج هذا النّوع من الرّهاب، وقد يكون لكلّ واحدٍ منّا “فوبياه” الخاصّة. إنّما أستفيد من موضوع “النّوموفوبيا” لأطرح سؤالًا افتراضيًّا بغاية الأهميّة: هل يا تُرى لأحدنا فوبيا على خسارة روحه؟ ولا أقصد هنا الخوف من الموت الجسديّ بحدّ ذاته إنّما الخوف من خسارة الحياة الأبديّة؟ إنّ مُجرّد التفكير بطول الأبديّة اللامتناهي يجعل كلّ واحد منّا يسأل نفسه ما إن كان يضمن أبديّة سعيدة مع الله أو سيكون في أبديّة مزرية وتعِسة بعيدًا عنه. قليلون يبحثون في الموضوع. أمّا الخائف على روحه وحياته وأبديّته فيبحث كيفيّة ضمان أبديّته.
ينقل إلينا الإنجيل المقدّس دعوة المسيح لمن يُريد الحياة الأبديّة ليؤمن به. قال يسوع: “الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ”. إلّا أنّه حذّر أيضًا من خسارة هذه الحياة في حال رفض المسيح وعدم الإيمان به. (يو 3: 36). أرعبني هذا الموضوع ذات يوم. أمّا وقد أتيت للمسيح فأعطاني يقين الخلاص والحياة الأبديّة.
وفي معرض الكلام عن الفوبيا، يهمّني أن أدعو القارئ إلى أن يفتكر مليًّا بأبديّته حتّى ولو خلق ذاك عنده خوفًا حقيقيًّا من خسارتها. طبعًا لا أريد لأحد أن يُعاني حتّى من “فوبيا الأبديّة” (وتُدعى أبيروفوبيا Apeirophobia)، ولا من أيّة فوبيا أخرى. إنّ سلامة الصحّة النّفسيّة بغاية الأهميّة. إلّا أنّ ضمان الحياة الأبديّة يجب أن يكون الهمّ الأقصى للإنسان. وَعَدَ يسوع: “خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يدي.” يبقى هذا الوعد ضمانة قلب الإنسان المائت لحياة أبديّة. كم كان الّلص التّائب حكيمًا بحقّ نفسه إذ سأل المسيح: “اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ”. وكان أن وعده المسيح أنّه يكون معه ذلك اليوم في الفردوس. ستنتهي حياتنا هنا ذات يوم ومن الضّروريّ أن نعرف إلى أين ستنطلق أرواحنا بعدها.