“وسمِعتُ صوتًا من السّماءِ قائلاً لي: اكتُب: طوبى للأموات الّذين يموتون في الرّبّ منذ الآن. نعم يقول الرّوح: لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهُم تتبعُهُم” (رؤيا 14: 13)
قال أحدهم: ليس المهمّ متى تموت وكيف، لأنّه كُتِب للجميع أن يموتوا يومًا ما. لكنّ المهمّ أن تكون في الرّبّ عندما تموت، لأنّك حينئذ ستكون من المُطوَّبين. سمِع يوحنا الرّائي صوتًا من السّماء: “طوبى للأموات الّذين يموتون في الرّبّ منذ الآن” (رؤيا 14: 13). من الواضح في الإنجيل المقدّس أنّ السّماء لا يدخلها سوى القدّيسين الّذين أفرزوا حياتهم وكرّسوها للمسيح وعاشوا حياة الطّهارة بفضل تجديد الرّوح القدس وحفظ كلمة الله (رؤيا 14: 12). وهكذا، مَن صار المسيح مُخلّصًا له وسيّدًا على حياته انتقل من تحت سلطان الظّلمة إلى سلطان “مَلَكوت ابْنِ محَبَّتِه” (كولوسّي 1: 13). في حياته الجديدة، يعيش المؤمن حياة القداسة ولا يأبه لما سيتحمّله من آلام وازدراء ومقاومة من الّذين لا يُحبّون المسيح والحياة معه. ويصير كلّ همّه أن يحفظ وصايا الله ويعيش حياة البِرّ ويحفظ إيمان يسوع وتعاليمه. ويكرز في حياته بإنجيل الخلاص ويُثمر أعمالاً صالحة تُمجّد اسم الله، فيُكرمه الله في المقابل ويُطوّبه عند “موته في الرّبّ”.
مَن يُمضِ حياته عاملاً في خدمة الرّبّ يُرِحه الله من أعماله عند مماته، إذ أنّه لا ينسى له تعب محبّته وأعماله بينما كان على الأرض. أمّا مَن لا يخدم سيّده فلا يمكنه أن يترجّاه في السّماء أن يتمنطق ويتقدّم ويخدمه. لا نخدع أنفسنا، الله لا يُشمَخ عليه، وما يزرعه الإنسان إيّاه يحصد أيضًا؛ فالّذي يزرع خدمة يجني خدمة، والّذي يزرع أعمالاً صالحة في حقل سيّده ينال الأكاليل السّماويّة، ويقول له الربّ عند مجيئه: “نِعِمّا أيّها العَبد الصّالِح الأمين! كنتَ أمينًا في القليل فأُقيمُك على الكَثير. ادْخُل إلى فَرَح سَيِّدِك” (متّى 25: 23).
هناك في السّماء، يستريح المؤمن من أتعاب الحياة، على الرّغم من أنّ خدمة الرّبّ تستمرّ ولا تتوقّف ليل نهار (رؤيا 7: 15 و22: 3)، أمّا ما يتوقّف فهو التّعب، ففي السّماء عذوبة وراحة تامّة. وهناك، لن يتعب المؤمن في مقاومة المعلّمين الكذبة ومُحاربة أجناد الشّرّ الرّوحيّة وتبكيت الخطاة. وهناك، لن يتعب من عدم تشجيع الآخرين له في الخدمة والحياة الرّوحيّة، ولن يكون هناك مَن يُقلّل من حماسته واندفاعه في الخدمة. وهناك، لن يكون مَن يفتري عليه ويُشكّك في نواياه ويحكم عليه زورًا. وهناك في السّماء سيستريح المؤمن من إحباط الخدمة ومن ارتداد الّذين أحبّوا العالم الحاضر الشّرّير أكثر من المسيح وملكوته. هناك، لن تقع خلافات بين الأخوة أو خيانة من الأصدقاء تُتعب النّفس وتحني الرّوح. نعم، سيكون هناك في السّماء راحة كاملة من أيّ تعب، فالله وعد بأنّ الخلود والإكرام سيكونان من نصيب الّذين يموتون في الرّبّ. ولكن، ماذا عمّن ليس في الرّبّ، وسيموت بعيدًا عنه وعن المسيح؟ باختصار: هذا لن يكون من المُطوّبين في الرّبّ. يا لتلك الخسارة الّتي لا تفوقها خسارة.