في أولمبياد باريس 2024، شهدنا حدثًا رياضيًا أثار جدلاً عالميًّا حيث تنافست الملاكمة الجزائريّة إيمان خليف، الّتي أثيرت حولها شائعات بكونها متحوّلة جنسيًّا، ليتّضح بعدها بأنّ الملاكمة الجزائريّة هي أنثى بيولوجيًّا، وتمكّنت من إحراز الميداليّة الذهبيّة أيضًا. لكن هذا الجدل أثار النّقاشات الملتهبة حول قضايا الهويّة الجنسيّة والعدالة في الرّياضة.
ويُطرح السّؤال اليوم حول كيفيّة التّعامل مع الأفراد المتحوّلين جنسيًّا في المجالات الرّياضية. فبينما يُدعى المجتمع لقبولهم كأفراد وفقًا لهويّتهم الجندريّة الّتي يختارونها، يواجه هذا القبول تحدّياتٍ في مجال الرّياضة التّنافسيّة حيث تتطلّب المنافسة العدالة بين جميع المتنافسين.
الجانب العلميّ
أشارت العديد من الدّراسات إلى أنّ الأفراد المتحوّلين جنسيًّا، حتّى بعد التّحوّل الجندريّ، قد يحتفظون ببعض الفوائد الجسديّة الّتي قد تعطيهم تفوّقًا في الرّياضات البدنيّة. على سبيل المثال، إنّ الرّجال المتحوّلين إلى نساء يحتفظون بكثافةٍ عضليّةٍ وهيكلٍ عظميّ أكبر مقارنة بالنّساء غير المتحوّلات، ممّا قد يؤثّر على الأداء الرياضيّ. هذه الفروق البيولوجيّة تجعل من الصّعب تطبيق مفهوم العدالة في الرّياضات التّنافسيّة بشكل متساوٍ.
الرؤية الكتابيّة
من منظور الكتاب المقدّس، يتمتّع كلٌّ من الذّكور والإناث بأدوارٍ متميّزةٍ وفريدةٍ في المجتمع. في سفر التّكوين، يُذكر: “فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم” (تكوين 1: 27). هذا النّص يوضح بشكلٍ واضحٍ أنّ الله خلق الإنسان بنوعين متميّزين. ومن هنا، فإنّ محاولات خلط هذه الهويّات أو تغييرها تتعارض مع التّصميم الإلهيّ للإنسان.
وفي رسالة بولس الرّسول إلى أهل روميّة، يحذّر بولس من انحراف الفكر الأخلاقيّ: “لأنّهم لما عرفوا الله لم يمجّدوه كإله، بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبيّ” (رومية 1: 21). يتحدّث هذا النّص عن كيفيّة انحراف العالم عن الحقائق الإلهيّة ويخلق حالة من الفوضى الأخلاقيّة.
العدالة والمجتمع
في ضوء هذه الحادثة، نرى بوضوح أنّ السّماح للأفراد المتحوّلين جنسيًّا بالمشاركة في الرّياضات التنافسيّة مع الأفراد من الجنس البيولوجيّ الآخر ليس عادلاً، حيث يمنحهم هذا التّفوّق غير المستحقّ. ولكن هذه المسألة لا تتعلّق فقط بالرّياضة؛ بل تمتدّ إلى المجتمع بأكمله.
كما أنّه ليس من العدل أن يفرض هؤلاء الأفراد أنفسهم على المجتمع بطرقٍ تتعارض مع القيم التقليديّة والأخلاقيّة. إذا كنّا نعترف بأنّ هناك فروقًا بيولوجيّة تمنح البعض تفوّقًا غير عادل في الّرياضة، فعلينا أيضًا أن نعترف بأنّ هناك حدودًا يجب وضعها في كيفيّة قبول هذه الهويّات الجندريّة في مجتمعاتنا. إنّ فرض هذه الهويّات بشكلٍ قسريّ على المجتمع يتسبّب باضطّرابات ويؤدّي إلى تآكل القيم الأخلاقيّة الّتي بنيت عليها المجتمعات عبر العصور.
في الخلاصة، يجب أن نكون واضحين في موقفنا؛ إذا كان من غير العدل السّماح للمتحوّلين جنسيًّا بالمشاركة في الرّياضات التنافسيّة مع الجنس البيولوجيّ الآخر، فإنّه من غير العدل أيضًا فرض هذه الهويّات على المجتمع بطرقٍ تتعارض مع القيم الأخلاقيّة والبيولوجيّة الّتي أنشأها الله. علينا أن نحافظ على العدالة في كلّ مجالات الحياة، وأن ندافع عن القيم الّتي تضمن استقرار المجتمع وتحترم التّصميم الإلهيّ للبشريّة.