الحريّة قوّةٌ مغيّرةُ يُحارِب لأجلها الكثيرون منذ طفولتهم. وعلى الرّغم من عدم فهم الكثيرين لجميع أبعاد الحريّة، فهي مُلِذّة للجميع. هناك عدّة أنواع من الحريّة، على سبيل المثال: الحرّية الشّخصية، الفكريّة، الدينيّة، العائليّة، الاجتماعيّة، السياسيّة وغيرها….
أيّ عرقلةٍ قد تمنع الإنسان من التّقدّم في الحياة هي عكس الحرّية. وأهمّ هذه العثرات هو الخوف الّذي هو أصل لكلّ عبوديّة. ما أريد أن أسلّط الضّوء عليه في هذه السّطور هو كلفة الحريّة، خاصّة وأنّنا ننسى، أثناء مطالبتنا بالحرّية، أنّ هناك ثمنًا لها، ويرتفع هذا الثّمن عندما نطلب الحرّية المطلقة.
هنا أحبّ أن أذكر هذه القصّة، حول عصفور تملكه صديقتي. اللافت أنّها كانت تربّيه من دون قيود وخارج القفص. كان ذلك مبهرًا بالنّسبة إليّ. جلست مرّة أراقبه بذهول. كان يتحرّك بسلاسةٍ في البيت. يأكل، يلعب ويقترب من الجميع من دون خوف، حتّى أنّه اقترب وأكل من صحني. الصّدمة كانت أنّي لطالما افتكرت أنّ العصفور، هذا الكائن الصغير المحبوب من كثيرين، هو بلا نفع. كنت أكره أن أراه في القفص وكلّ ما يفعله في يومه هو التّخبّط بالقضبان من دون أيّ تواصل مع الإنسان الّذي يُربّيه. لكنّ العصفور عند صديقتي كان مختلفًا تمامًا، حتّى أنّه يتلقّى القبلات بفرحٍ ووداعة. هنا تبيَّن لي كم أنّ الحريّة تُغَيِّر الشّخصيّة وتزيد قيمة الفرد. والحريّة الّتي توَلّد الفرح وتطرد الخوف جعلت هذا العصفور يخطف قلب كلّ من رآه.
كلّما فكّرت بعصفور صديقتي، قدّرت أهميّة حريّة الإنسان وضرورة حمايتها. منذ يومين، اتّصلت بي صديقتي وأبلغتني أنّ عصفورها الصّغير افترسه هرّ. في هذه اللحظة أدركت أنّ للحريّة ثمنًا باهظًا. فرغم أنّ القفص كان رمزًا للعبوديّة إلّا أنّه كان أيضًا حصنًا للحماية.
وبينما كنت أتّأمّل بموت هذا العصفور الحلو الّذي لطالما تنعّم بحريّته، خلصت إلى أنّ من يسعى إلى حريّته عليه أن يحرص، ليس فقط على صونها بل على صون نفسه أيضًا. فما نفع حريّة قد نخسر حياتنا بسببها؟ الإنسان الحرّ يحتاج إلى الكثير من الحكمة لحماية نفسه ضمن حدود كلمة الله. وهنا تبرز أهميّة قول بولس الرّسول: “فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ.” ففي الوقت الّذي عرف بولس أهميّة الحريّة الفرديّة، إلّا أنّه حذّر من التّفلّت الّذي قد يُفقِد الإنسان بركات الحريّة الحقيقيّة الّتي في المسيح.