وقف الرعاة في ليلة غير آمنة يحرسون حراسات الليل على خرافهم. فقد ازداد الخوف من اللصوص مع ازدياد الفقر والقهر. والخوف من الذئاب يزداد مع ازدياد الوحشة والتوحّش. وأخذ الوقت يمضي متأرجحاً ما بين الضجر والسمر. وإذا بملاك الرّب يقف بهم ومجدُ الرّب يضيء من حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا. ولم يسبق لهم أبداً ان شعروا بمثل هذا الخوف. وهم ليسوا ممّن يخافون الليل واللصوص والذئاب، لأن الحياة شدّت عضدهم وقوّت قلوبهم. إلا أنّ القلب القوي يحتاج إلى “أن يخاف خوف الرّب”. يحتاج الناس عامّة إلى اختبار الخوف، ومعظمهم يعيشون حياتهم وخطاياهم بلا خوف وبلا ندامة. وإذا بملاك الرّب يقف بهم فيُخيفهم ويقول لهم: “لا تخافوا”. فالله هو إذاً مسبّب هذا الخوف. خافوا عند ظهور الملاك أمامهم. خافوا لأنّ نوره كشف حياتهم فبانت على حقيقتها وكم انها وسخة وهشّة وزائلة في حضرة السماوي. أفادهم هذا الخوف لأنّه أعدّهم ليسمعوا الملاك يُطمئنهم: “لا تخافوا”.
لا تخافوا فحضوري ليس لقهركم أو قتلكم أو تبديد خرافكم. لا تخافوا فلديّ بشارة طيبة ومُعزّية وممتازة. ولم تشبه كلمات الملاك تلك التي يُردّدها الخطاب الديني المطلوب منه أن يُشجّع من دون أن يُغيّر واقع القلب! لا تخافوا لدي بشارة لكم! ما ترى هي تلك البشارة؟ آه لو تُرِكَ لنا صياغة مضمونها! ماذا كنا لنطلب؟ لكنّا طلبنا مراعٍ وحماية وراحة وصحّة لنا ولأولادنا ولماشيتنا لنهنأ بها. وكلّنا إلى حدّ ما رعاة. فنحن نرعى حياتنا وحياة أحباء متعلّقين بنا. ونحن معنيّون بطلب السلام والاستقرار والخير لهم. الناس اليوم ماذا يطلبون؟ المال، الصحة، والسلام. الناس لا يختلفون في مطالبهم التي لا تتجاوز حاجات الجسد والحياة. أمّا الملاك فيرفع ذهنهم إلى مستوى أعلى إذ يُبشّرهم: “أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ.”
“ها أنا أبشّركم بولادة مخلّص”. من هو؟ إنّه المسيح الرّب. ويخلّص من ماذا؟ إنّه يُخلّص من الخطايا. هذا ما سبق وقاله الملاك ليوسف من أن مريم: “سَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ”. جاء يسوع إذًا ليُخلّص من الخطايا. الناس تُحِبّ الخطايا والمسيح جاء ليُخلّصهم منها. لا يعرف الناس أن الخطايا سبب بؤسهم وشقائهم. والمسيح جاء إلى العالم ليُخلّص الخطاة من خطاياهم. هنا البشارة المفرحة. أنّه يوجد من يقدر أن يُخلّصنا من خطايانا التي أنهكت حياتنا. ولنعرف هذا الخلاص علينا أن نعرف هذا المخلّص. وهذا ما اختبرته فيما بعد المرأة السامريّة المنغمسة في حمأة الخطية، عادت والتقت به واختبرت خلاصه فذهبت تُبشّر به أهلها الذين جاؤوا وعاينوه وقالوا لها: “إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ”.
المسيح الرّب قادر على أن يخلّص جميع الناس سواء أتوا معاً في الوقت عينه أو جاؤوا كلّ بمفرده. هو قادر على أن يُخلّصهم جميعهم خلاصًا كاملاً وإلى التمام. إنّما علينا أن نُقبِل إليه، كما فعل الرعاة، ونطلب منه: “خلّصنا يا ابن الله”. وهو عندها يُخلّص، بحسب ما جاء في الوعد المقدس: “فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ”. الناس بحاجة إلى من يُخلّصهم من خطاياهم إلى التمام. الخطية تستعبدنا بالتمام، وتذلّنا بالتمام، وتستنفدنا بالتمام وتُهلكنا بالتمام. أمّا من يُلقي رجاءه على المسيح فيَخلُص به إلى التمام.