بعد عشاء الفصح، انطلق الرَّب يسوع إلى جبل الزيتون مع التلاميذ، ولدى وصولهم إلى قرية جثسيماني طلب من التلاميذ أن ينتظروه في مكانهم إذ أراد الإبتعاد والإختلاء للصلاة، وأخذ معه كلّ من بطرس ويعقوب ويوحنا. مشى الثلاثة مع يسوع وقتًا لا نعرف ما هو، وكان خلاله يسوع صامتًا وحزينًا جدًّا. وقد أعرب عن ذلك لهم حين طلب منهم فجأة أن يمكثوا مكانهم وينتظروه لأنه سيبتعد عنهم قليلًا ليُصلّي.
وجثا يسوع على الأرض، وكان يُصلّي ويبكي بدموع. نعم الرّبّ يسوع يبكي! وطلب بلجاجة من الله الآب أن يُبعِد عنه كأس الآلام والصلب. إلّا أنّه آثر الخضوع الكلّي والتسليم لمشيئة الآب قائلًا: “لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ.” وفجأة يقطع يسوع صلاته. ينهض ثم يرجع إلى بطرس ويعقوب ويوحنا فيجدهم وقد غطُّوا في نومٍ عميق. يوقظهم ويلوم بطرس على عدم استطاعته السهر معه ولو لساعة واحد. ثم يعود إلى المكان الذي ركن إليه ليستأنف صلاته. يتوقف عن الصلاة ليرجع مرة ثانية ويجد الثلاثة قد غطّوا في نومهم. لم يوقظهم هذه المرّة! بل اكتفى بالنظر إليهم وانتظرهم ليشعروا بحركته وبوجوده. ولمّا لم يستيقظوا عاد إلى مكانه وتابع صلاته.
عندما عاد في المرة الثالثة ووجدهم غرقانين في نومهم خاطبهم بلهجة مليئة بالتفهّم لضعفهم البشريّ وقال لهم: “نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا!”. وعند لحظة إقتراب الإسخريوطي لتسليمه، قال لهم: “يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ!”
تحمل ليلة القبض على يسوع في طياتها الكثير لنتأمّل به حول السهر والصلاة، والخضوع للمشيئة الإلهيّة، والتصميم على إتمام الفداء. إلّا أنّي أرى فيها يسوع الحنون المُحِبّ لأحبائه الحاضرين معه في ذهنه وقلبه كلٌّ بمفرده. فهو قطع صلاته واتصاله بالله الآب ثلاث مرَّات ليطمئنَّ على بطرس ويعقوب ويوحنا. ماذا عنّا نحن اليوم؟ هل يحضُر أحباؤنا معنا فنذكرهم عند سجودنا وصلاتنا؟ هل نُحبّهم كفاية فنعذرهم لضعفهم ونُصلّي لهم ونفتقدهم حتّى وعندما نكون نحن نواجه أحلك التحديات؟ نتعلّم من تلك الليلة الأخيرة ليسوع مع تلاميذه الكثير. وإن أخذناه قدوة لنا صرنا أكثر شبهًا به.