الصلاح كلمة عجيبة ترتبط بالله شخصيًّا. الكتاب المقدس يُحدّد أن الله وحده صالح بالتمام ويفعل الصلاح بالمطلق. هذا ما يؤكّده الرّب يسوع المسيح بقوله: “ليس أحد صالحًا إلاّ واحدٌ وهو الله”. أمّا الإنسان فلا يقدر أن يكون صالحًا بفساده وبخطيته وبضعفه. الصلاح ليس مُنتَج إنساني في الأساس. ففي الإنسان “ليس شيء صالح” وبالتالي “ليس من يصنع صلاحًا”. وحده الروح القدس يُغيّر الإنسان ليستطيع أن يكون صالحًا فيتوافق مع طبيعة الله الصالحة. أمّا صلاح الله فيتجاوز الإختبار الإنساني وفهمه، إلا أنّ الله لا يحرم طالبيه من صلاحه، ويُريدهم أيضًا أن يختبروا محبّته ونعمته وأمانته وجوده
يحتاج الإنسان إلى أن يتعلّم الصلاح ويكتسبه من الرّب الصالح. “صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ”. ولهذا جاء المسيح ليُخلّص الهالكين وليقودهم في طريقه الصالح. لا يقبل المسيح أن يبقى المؤمن به خارج بيئة الصلاح وطريقه. مسيحي غير صالح، ليس مسيحيًّا! هذا يُظهِر أنه لا يعرف صلاح الله، ويعجز عن الشهادة له أو حتّى عن عبادته بحقّ. لا ينفصل صلاح الله في حياة المؤمن وطبيعته عن أدائه وعبادته. في عودة التائب إلى المسيح، تبدأ تنطبع فيه صورة المسيح. المسيح صالح. المسيح بارّ. المسيح قدّوس. المسيح أبهى جمالاً من كلّ بني البشر. لا يُساويه أحد. ولا حتّى الأنبياء مثله. جميعهم أخطأوا. وحده لم يُخطئ. جميعهم عجزوا عن أن يُجسّدوا الصلاح الكامل في حياتهم. أمّا هو فأظهر صلاحه في حياته وعكسه في حياة المؤمنين به. نعم، ترتسم صورة المسيح في حياة المؤمنين به، كما ترتسم صورة الآلهة جميعها في أتباعها. حتّى أننّا نقدر أن نقول أننا نعرف مدى صلاح الآلهة من صورة أتباعها. المؤمن يكشف سرّ إلهه. الإنسان الذي خسر صورة الله في الخطية يستعيدها بالمسيح. وحده المسيح قادر على أن يسبغ صورة الصلاح على الإنسان حيث فشِل كلٌّ غيره.
الله يرضى على من يؤمن بالمسيح ويُسلّمه حياته ويفيض عليه من صلاحه. ومن يتقبّل صلاح المسيح في إنائه، “ينال رضى من قبل الرب”. يشهد الوحي الإلهي للصالحين. يوسف الرامي “كان مُشيرًا ورجلاً صالحًا بارًّا” لم يوافق قادة اليهود رأيهم ولا عملهم عندما قرّروا صلب المسيح. الصالح لا يقدر أن يتوافق مع الطالح في شيء. هناك تنافر في الطبيعة والجوهر والصورة والأداء. الإنسان الصالح لا يوافق على أعمال الشرّ. هذا ينخرط في محاربته وفي تعزيز الصلاح لدى الآخرين.
برنابا “كان رجلاً صالحًا وممتلئًا من الروح القدس والإيمان” أفرزته الكنيسة ليُشدّد المؤمنين الجدد في طريق الرّب. لأن أكثر ما يحتاج إليه هؤلاء هو ارتفاع منسوب الصلاح في حياتهم. العالم من حولهم في شرّ عظيم. ألا يعكس المؤمن بالمسيح صورة سيده في العالم؟ تُلقى على المؤمن بالمسيح مسؤوليّة كبيرة وخطيرة إذ عليه أن يُظهِر صورة إلهه البهيّة. عجز كثيرون من المدعويّن “مسيحيّين” عن أن يُظهروا هذه الصورة. فأساءوا للمسيح، إلاّ أنهم لم يُخرّبوا صورته.
المعجزة الفائقة التي تُميّز المسيحية الحقيقيّة هي عمل الروح القدس بقوّة في حياة المؤمنين ليُثمر فيهم صلاحًا علويًّا. فمن يصنع الصلاح هو من الله، “ومن يفعل الشرّ فلم يُبصر الله ولا عرفه”. لكن في المسيح يصير الصلاح والإحسان والخير ممكنًا، فيُحسِن الإنسان للجميع وحتى لأعدائه. في المسيح يصير الضمير صالحًا، والعمل صالحًا، والعيشة صالحة. يد الله الصالحة تكون مع الصالحين فيفلحون ويُباركهم الناس.