للخطية ثلاثة أنواع من العقابات. الأوّل، وهو الجزاء، يأتي على جميع النّاس، أكانوا مؤمنين أم غير مؤمنين؛ والثّاني، وهو الدّينونة الأبديّة، وهو فقط لغير المؤمنين الّذين لم يقبلوا المسيح مخلّصًا؛ أمّا الثّالث فهو التّأديب، وهو يُصيب المؤمنين فقط. في كلّ الأحوال، الخطيّة لا تمرّ من دون عقاب. فهي تحمل في طبيعتها الدّمار والموت والفساد، الأمور الّتي تستحقّ العقاب الإلهيّ والتّلقائيّ. أمّا السّبب الأساسيّ لوجود عقاب للخطيّة فهو أنّ الله عادل وبارّ ولا يطيق الخطيّة بل يُسرّ بالبرّ (إر 9: 24). حتّى أنّ الله لم يُشفق على ابنه الوحيد عندما حمل خطايا العالم، وذلك “لإظهار برّهِ” (رو 3: 25). الله بارّ، وهو خلق العالم ليكون بارًّا. أمّا عندما سقط الإنسان، فعاد الرّبّ وأعطاه فرصة ليتبرّر بيسوع المسيح فيؤسّس لعالم بارّ جديد.
الجزاء
يُشدّد الكتاب المقدّس على أنّ الخطيّة لا يُمكن أن تمرّ من دون عقاب. فالله يسهر على هذا الموضوع شخصيًّا. أعطى الله في النّاموس السّلطة للمجازاة ضدّ كلّ جرم أو أذيّة يُسبّبها شخص ضدّ الآخر. يقول الوحي المقدّس: “وإنْ حصلت أذيّةٌ تُعطي نَفْسًا بنفس، وعيْنًا بعين، وسنًّا بسنٍّ، ويدًا بيدٍ، ورِجْلاً برِجْل، وكيًّا بِكَيٍّ، وجُرحًا بِجُرح، ورضًّا بِرَضٍّ” (خر 21: 23-25).لم يكن الهدف من المجازاة الانتقام بقدر ما كان الهدف منه مُمارسة العدالة وحفظ حقوق الأفراد وردع العمل العدائيّ.
لقد ساوت الشّريعة الإلهيّة بين الأحرار والعبيد والرّجال والنّساء والكبار والصّغار والمؤمن وغير المؤمن، فكلّ مَن يُخطئ يُعاقَب وكلّ من يُخطأ إليه يُعوَّض له. يؤسِّس هذا المبدأ للقوانين الجزائيّة الّتي تحكم بين المتخالفين في المجتمع. وأعطى الله سيف العدالة للحاكم ليقمع الأشرار وليُجازيهم على أعمالهم الشرّيرة (رو 13: 1-4). ولا بدّ من أن يدفع الإنسان جزاء أعماله الشّرّيرة، فالّذي يزرعه الإنسان إيّاه يحصد، مهما طال الزّمان، والله هو الّذي يسهر على تطبيق هذه العدالة (جا 8: 11-13). قد يظنّ المرء أنّ بعضًا من خطاياه الّتي يقترفها لا تؤثّر في أحد، لكنّ الله يرى ويُحاسب حتّى على الخطايا الّتي يرتكبها الإنسان في الخفاء، حيث لا يراه أحد سوى الله. وهو يقول: “ولكنَّني أُعاقِبُكُم حسبَ ثمرِ أعمالِكُم” (إر 21: 14). ويشمل الجزاء الخطايا الّتي يرتكبها الإنسان ضدّ الله، فالّذي يُخطئ يُعاقب والله يُعوَّض له.
الدّينونة الأبديّة
الكتاب المقدّس يؤكّد أيضًا أنّ للخطيّة عقابًا أبديًّا، فأجرة الخطيّة هي موت (رو 6: 23)، والمقصود بهذا عذاب أبديّ لا ينتهي (مر 9: 43)، والخطاة يستيقظون للازدراء الأبديّ (دا 12: 2). هذا سيكون عقابًا أبديًّا موازيًا لطول الحياة الأبديّة الّتي تكون للأبرار (مت 25: 46). يُحاول بعضهم أن يُقلّل من قيمة العذاب الأبديّ أو أن يُنكر وجود نار أبديّة، لكنّ هذه كلّها تسقط أمام كون يسوع شخصيًّا هو الّذي تكلّم على العقاب الأبديّ في النّيران والظّلمة الخارجيّة (مت 8: 12). فهذا المصير لم يكن مُعدًّا للنّاس في الأساس، بل لإبليس وملائكته (مت 25: 41)، ومَن يرفض الخلاص بالمسيح ويختار الاستمرار في السّلوك الخاطئ تحت قيادة الشّيطان، يذهب إلى هذا المكان باختياره الشّخصيّ (يو 3: 18، 36؛ 5: 39-40). إنّ المسيح جاء ليحمل قصاص خطايا الخطاة بموته عن خطاياهم، وليُطلقهم أحرارًا من العقاب إنْ آمنوا به (رو 6: 23). أمّا مَن لا يؤمن به ويتنكّر لابن الله ويرفض عرض الخلاص ويستهزئ بعرض النّعمة الإلهيّة لا إمكانيّة لخلاصه (عب 2: 3؛ 12: 25).
التّأديب
يختلف التّأديب عن العقاب بكونه عمل تربويّ يهدف إلى تصحيح المؤمن الّذي يُخطئ، ليتعلّم ألاّ يُخطئ فيما بعد. إذًا، الهدف من التّأديب هو تصحيح المؤمن وتقويمه وتدريبه في البِرّ. إنّه عمل إلهيّ فيه يعرف المؤمن أنّه مُراقب من علاء، وأنّه من غير الجائز إطلاقًا أن يرتكب الخطايا الّتي ارتكبها. وغالبًا ما يُشبّه الكتاب المقدّس التّأديب الإلهيّ للمؤمن، عندما يُخطئ، بتأديب الآباء لأولادهم (تث 8: 5)، ويُعلّم الرّبّ المؤمن ألاّ يكره تأديب القدير لأنّه لخيره (أم 3: 11). فالتّأديب مُفيد للغاية (أم 19: 18)، وعمله كعمل الكرّام الّذي يُنقّي الكرم عبر تنقية الأغصان (تشحيل) لتأتي بثمر أكثر (يو 15: 2). أمّا الإنسان فيخاف التّأديب، كما قال داود: “يا ربُّ، لا تُوبّخني بغضَبكَ، ولا تؤدّبني بغيظِك” (مز 6: 1). لكن، في الحقيقة، يجب على الإنسان أن ينظر إلى التّأديب كتعبير عن محبّة الله له (عب 12: 4-11).
قد يكون التّأديب قاسيًا، وذلك بحسب درجة الخطيّة أو بحسب صعوبة شخصيّة الإنسان المتَقَسّي، لكنّه لا يُميت في كلّ الأحوال، كما يقول بولس الرّسول: “كمؤدَّبينَ ونحنُ غيرُ مقتولين” (2كو 6: 9)، أو على حسب قول المرنم “تأديبًا أدّبني الرّبُّ وإلى الموتِ لم يُسلّمني” (مز 118: 18). ويهدف الله من تأديب المؤمن وجعله يتألمّ تحت التّأديب إلى حثّه على ترك الخطيّة وعدم ارتكابها من جديد، كما يقول بطرس: “فإنَّ مَن تألّمَ بالجسدِ كُفَّ عن الخطيّة، لكي لا يعيشَ أيضًا الزّمان الباقي في الجسد، لشهوات النّاس، بل لإرادة الله” (1بط 4: 1-2). لذلك، يجب ألاّ يقوم المؤمن بردّة فعل سلبيّة عندما يؤدّبه الرّبّ، بل يفرح أنّ الله يُحبّه ويتعامل معه كابن، وسيُباركه أكثر عند انتهاء عمليّة التّأديب، كما يقول الكتاب: “هوذا طوبى لرجلٍ يؤدّبهُ اللهُ. فلا ترفُضَ تأديبَ القدير. لأنّهُ هو يجرحُ ويعصِبُ. يسحق ويداهُ تشفيان” (أي 5: 17-18). فالله، كطبيب أو كمُمرّض، قد يُداويك بدواء يؤلمك وإنّما يكون لخيرك. يقول الرّبّ: “إنّي كُلّ مَن أُحبُّه أؤدّبه. فكُن غيورًا وتُب” (رؤ 3: 19).
الخلاصة
لقد أحبّنا الله وأدّب ابنه الرّبّ يسوع بديليًّا عنّا، الّذي، وبصراخ شديد وبآلام الموت المبرحة، صرخ إن كان بالإمكان أن تعبر عنه الكأس، لكنّه عاد وشربها حتّى الثّمالة ليُخلِّصنا (عب 5: 7-9). ليتنا نُدرك، من جديد، معنى الفداء، ونتذكّر أنّ الرّبّ يسوع مات عنّا، بل تأدّب عنّا ليُخلّصنا، فنُعاهد الرّبّ أن نكفّ عن الخطيّة.
فويل لك إن كنتَ لم تختبر الخلاص بعد، إذ هناك أكثر من تأديب. هناك العدالة الإلهيّة، والحُكم الأبديّ، وبعد ذلك النّيران. ولكي تنجو من كلّ هذا، ليتك تقبل المسيح، وتصرخ له قائلاً: “ارْحَمني يا ربّ، فأنا لا أريد أن أذهب إلى جهنّم” حيث الدّود لا يموت والنّار لا تُطفأ والعذاب يكون أبديًّا مع الأبالسة والشّياطين. اصرخ إلى الرّبّ: “ارحَمني أنا الخاطي، خلِّصني بدمك، وجدِّدني بروحك، اغْسِل خطيّتي. يا ربّ، اعمل بي ما تشاء. أدِّبني وارحمني واقبلني الآن في ملكوتك واجعلني ابنًا لك”. أمّا المؤمنون، فيجب أن يتذكّروا أنّ الرّبّ يُجازيهم على خطاياهم، وهو يؤدّبهم أيضًا، وما يزرعه الإنسان فإيّاه يحصد أيضًا.