يحلم الإنسان دائمًا بأمورٍ يظنّها ستسرّه فيطمح لامتلاكها عَلَّه يتمكّن من الشّعور بالفرح. وليس ذلك فقط، بل إنّه يبذل جهده وكلّه أملٌ في سعيه، مزوَّدًا بطاقةٍ كافيةٍ ليمضي بكلِّ نشاطٍ نحو تحقيق الـهدف.
فيظنّ البعض أنّ سبب تعاستهم هو عدم امتلاك الـمال. وبالتّالي، يُقحمون حياتـهم بسباقٍ لا حدود له. وبمعنى آخر، يشبهون عدّائين لا يعلمون أين سيجدون الـمحطّة الأخيرة لإنـهاء الـمنافسة. وفي أثناء الانـهماك في الرِّبح والتّنافس، يتقدّم الإنسان بالعمر وهو غير قادرٍ على أن يرى بوضوح أين أصبح، بل يستمرّ في التّسابق من دون أن يعي متى يـمتلك سعادته وكيف. وبالتّأكيد لن يستطيع أن يقيّم حالته، ولن يقدر على طرح سؤالٍ أو استشفاف جوابٍ عمّا إذا كانت فعلًا هذه هي السّعادة المرجوّة الّتي نُسِجَت في مخيّلته.
فيما يواجه آخرون خيبة التّوقّعات المسبقة. فحينما يستبق الإنسان الحدث، ويبني أحلامًا على ما ينبئ به حدسه، لا شكّ بأنّه يعرّض نفسه لتجربة حالتين متناقضتين، فإمّا الوقوع في شباك الإحباط، وإمّا احتمال صحّة تطلُّعاته الّتي تحمل معها بشرى الفرح.
نظير ما حصل مع هادية، فعندما احتسبت علاماتها المحتمل أن تنالـها في الامتحان، تأمّلت أن تحصل على معدّلٍ برتبة جيّد جدًّا، ولكن حينما أُعلِنَت النّتائج حصلت على تنويه برتبة جيّد. وبالتّالي، ما انفكّ يتردّد في ذهنها إلّا عبارة “يا ليتك نلتِ جيّد جدًّا، فأنتِ كنتِ تستحقّينها”. ونتيجةً لذلك، طُرِدَ كلّ أثر للّبهجة من قلبها، نظرًا إلى تحجيم أفكارها بسلبيّة سرقت منها واقع النّجاح. وهكذا لم تستطع نسيان ما حصل معها. وعلاوةً على ذلك، صغُرَ نجاحها أمام عينيها، وتلاشى طرب الاحتفالات. لأنّـها وعلى الرّغم من نجاحها لم تفرح.
بالمقابل، انشغلت حنان في تحضير “الحلوينة” لتعبّر عن فرحها بنجاح ولدها، قبل إصدار النّتائج. فهي أمٌّ لولد مجتهد، عاينت مدى جهده في الاستعداد للامتحانات وتلمّست نجاحه بتفوّق. وبالطّبع، كان تشوّقها محفوفًا بالخوف والقلق في بعض الأحيان، بسبب الوقت الـمديد في التّرقّب والانتظار. ولكن، ما لبثت أن أطلقت الزّغاريد فور نشر اللّوائح بأسماء النّاجحين. ففي الحقيقة، كان اسم ابنها بين المتفوّقين.
فيا له من طعم مُلِذّ لقلب الأمّ الّتي تشدو ظافرةً نتيجة قطافها ثـمر تعب الاجتهاد. كما أنّ هذا الشّعور بالغبطة يتردّد وسط الأقرباء والجيران، فيتشارك الجميع هذه الفرحة الّتي ترافق سيرة الشّاب المجتهد وتدفعه إلى تحقيق طموحه.
وبناءً على ما تقدّم، يعجز الـمال عن تأمين السّعادة للإنسان، وبالتّساوي تُخفِق الثّروات في كفاية وجدان مالكها باللّذاذة بـمقدار ما تجعله يدور في مسار الوهم والضّياع. بيد أنّ النّجاح في الحياة يبقى مصدرًا للسّرور.
بالفعل، فإنّ الإنسان النّاجح هو في حالة مستمرّة من الرّضى طالـما وُجِد على هذه الأرض. كيف لا وفرحه يسري في كيانه بتجدُّد دائم، ويرسَّـخ بواسطة هرمونات منبعثة من غدّة في جوف الدّماغ تسمّى hypothalamus. كما يؤكّد ذلك ما جاء على لسان سليمان الحكيم في القديم: “الْقَلْبُ الْفَرْحَانُ يُطَيِّبُ الْجِسْمَ، وَالرُّوحُ الْمُنْسَحِقَةُ تُجَفِّفُ الْعَظْمَ.”