لا شَكّ أنّ الماضي أساسٌ للحاضِر والمستقبَل. إنّ فوائِد قراءة مَسيرة الكنيسة للمسيحيّ كثيرة. ولنتذكّر أنّ الإيمان الْمَسيحي في الأساس مبنيٌّ على حَدَثٍ تاريخيّ يرتكز حول شخص يسوع المسيح الذي عاش ومات وقام في زَمن تاريخيّ مُحدّد.
ودِراسة التاريخ هي مَصْدَرٌ لِلمَعْلومات تُساعِد على إنضاج الفكر. إنها تُوَسِّع آفاق الْمَسيحيّ وتحرّرُه من الْمَنْظور الْضَيِّق للأمور والاِنْفِعالات العاطِفيّة عند تباين الآراء وتضاربها. يَشْفي التّاريخ الْمَسيحيّين من التّأثيرات السَلبيّة للماضي، ومن أمراض الطائفيّة وتأثيرات الحاضِر غَير المفيدة روحيًّا.
من يقرأ تاريخ الكنيسة يعلم أنّ الأَحْداث اختلطت بين إنجازاتٍ إيمانيّةٍ عَظيمةٍ وسَقْطاتٍ أخلاقيّةٍ فادِحة. فتاريخ الكنيسة، كَكُلِّ تاريخ، هو سجلٌّ لأحداثٍ صنعها بشر، كما هو تأريخ لعمل الله عبر هؤلاء النّاس أنفسهم.
وأحْداث الماضي تُسَلِّط ضَوءًا لمعرفةِ كيفيّة وصول الأمور إلى ما هي عليه الآن. ودِراسة قصّة الكنيسة تُعطي فَكرةً عن كَيفيّة تَعامُلها مع شُؤونِها عبر القُرون. ومن تاريخها نتعلّم كيف تعاملت مع الأحداث والتّحديات وما يجب أن نعتمده أو نتجنّبه. يُمْكِن أيضًا لدِراسة التّاريخ أن تساعدَنا على رؤية تأثير العَنَاصِر الثَّقافِية والعقليّات والحوادث المختلفة على تكوين العقائد المسيحيّة الّتي وصلت إلينا اليوم.
وهكذا نتعلّم أن نُميّز بين ما تكوّن عبر التّاريخ ورسالة المسيح النقيّة. وهكذا نترك ما لا يتفّق مع فكر الله أو ما يتناقض معه ونتمسّك بحقّ الإنجيل بلا زيادةٍ أو نقصان. دراسة التاريخ المسيحيّ تُرينا أنّه في كُلّ عَصْر، مَهْما كان ذَهَبِيًّا، شوائبَه الّتي نتعلّم أن نتركها لنتمسّك بالأصالة النّابعة من قلب الله. وهكذا نبني إيماننا وكنائسنا ومجتمعاتنا وحياتنا على الأساس السّليم المستمرّ عبر العصور. فمَن يَسِرْ في إِثْر أَبْطال الِأيمان الأَقْدَمين يَتَعَلَّم الْمُثابَرَة في الْجِهاد الرّوحي الحاضِر وتَحَمُّل مَشَقّات الْحَياة الْمُعاصِرة بِصَبْر.
في دَرْسنا التاريخ الْمَسيحي نتقصّى عمل الله وأمانته تجاه شعبه وسائر البشر والكون عبْر العصور. وفي نفس الوقت نرجو ألّا نُكرّر أخطاء الماضي.