عندما عَلَت بنا الطّائرة فوق الغيوم، رحتُ أتأمّل في زُرقة السّماء الواضحة، وأشعّة الشّمس السّاطعة. إلاّ أنّني ما كدتُ أنظر إلى أسفل حتّى رأيتُ الغيوم السّوداء، والعاصفة تشتدّ مُنزِلةً البرق والصّواعق إلى الأرض. ما أرهب المشهد! وتساءلتُ: كيف يحصل هذا؟ ومن وحي المشهد المجيد فوق الغيوم رحتُ أتأمّل أمجاد السّماء الّتي تنتظر المؤمنين، وإذا بي أتذكّر كلام بولس الرّسول على أمور لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تخطر على بال إنسان أعدّها الله للّذين يُحبّونه، وأعلنها لهم بروحه. وبينما أنا مُعلّق بين الأرض والسّماء، ومأخوذ بهذه الأفكار المباركة، عدتُ إلى قراءة الكتاب المقدّس. وفيما كنتُ أتأمّل في رسالة الرّسول بولس إلى أهل أفسس 2: 1-10، وجدتُ أنّها تُعلّم ثلاثة مبادئ:
أوّلاً: نحن خطاة وأموات بالرّوح وذلك بسبب خطايانا (1-3). حقّاً إنّ الخطيّة تُميت الإنسان روحيّاً، وأنا أعرف ذلك. فأنا خاطئ، وكسائر الخطاة أفعل الشرّ، مُقاداً من إبليس، الّذي يُحرّك شهوات البشر ليقتلهم. قال يسوع للنّاس: “أنتُم مِن أبٍ وهو إبليس وشَهَواتِ أبيكُم تُريدونَ أن تَعمَلوا” (يوحنّا 8: 44). وفيما أنا غارق في تفكيري، تذكّرتُ آخر مشهد رأيته لميْت مجثّى. كانت عيناه مُغمضَتين، وشفتاه يابستان مُطبقتان، تمنّيت لو تتحرّكان ليتكلّم أو يُرنّم. أمّا جسده فكان بارداً لا يتحرّك، عند الصّباح كان يمشي، والآن، يُحمل إلى مثواه الأخير. ورأيتُ في هذا المنظر الصّورة الّتي أراد الكتاب المقدّس أن يصف من خلالها حالة أرواحنا الخاطئة. فنحن بطبيعتنا “أموات بالذّنوب والخطايا”، ولا نحيا إلاّ بنعمة الله وبتجديد الرّوح القدس لنا.
ثانياً: الله الوحيد القادر على إحيائنا وإيقاف حكم الدّينونة بحقّنا (4-9). يُتابع بولس في هذه الرّسالة وصفه لعمل الله الغنيّ بالرّحمة والمحبّة، الّذي يُريد أن يُحيينا مع المسيح من موتنا الرّوحيّ، وأن يُقيمنا كما أقام المسيح من بين الأموات، وأن يُجلسنا معه في السّماويّات. لقد أقامني المسيح معه، وخلّصني من خطاياي، كما جعلني في موقع جديد. فاختبرتُ الخلاص وصرتُ “من لحمه وعظامه”، وأنا أجلس في السّماء، لأنّي الآن أنا في المسيح، وبالتّالي أنا بمأمّنٍ من كلّ دينونة لأنّه برّرني ورفعني من الموت إلى الحياة (رومية 8: 1). يا لها من نعمة! وهكذا، أنا مع الّذين آمنوا بالمسيح وقبلوه مُخلّصاً نطير فوق عاصفة غضب الله ونعيش تحت أشعّة شمسِ برِّهِ، مرفوعين على أيادي القدير الّتي تُمسكنا ولا يُمكن لأحد أن يخطفنا منها (يوحنّا 10: 28-29). يا لهذا التأكيد! يا لهذه الضّمانة الّتي لي في المسيح. لكنّ شعور الاطمئنان هذا لم يُثنني عن التّفكير بالّذين ما زالوا تحت العاصفة، فأسفتُ لأجلهم.
ثالثاً: نحن الآن عمله وصنعة يدَيه (10). وهذا تعليم قويّ في الكتاب المُقدّس، وهو يؤكّد أنّ الله يعمل في حياة الّذين آمنوا بالمسيح، فيُجدّدهم روحيّاً ويجعلهم خليقة جديدة (2 كورنثوس 5: 17)، ويستمرّ يعمل في إراداتهم وقدراتهم لكي يتمكّنوا من القيام بأعمال صالحة تُسرّه (فيلبي 2: 13). فَرِحتُ إذ اكتشفتُ هذه الحقيقة. فأنا لستُ كاملاً، وما زلت أخطئ، لكنّي أشكر الله لأنّه صمّم على أن يُقدّسَني مع غيري من المؤمنين به، لنعيش أمامه حياة طاعة وإيمان. هنا نظرتُ من نافذة الطّائرة، فوجدتُ الغيوم الملبّدة، وتذكّرتُ ضعفاتي وخطاياي، فانزَعَجتْ روحي واضطَرَبتْ، فقلت لنفسي: “لا تَنظُري إلى تحت، تَذكَّري مَوقعكِ الجديد والسّامي في المسيح، وثبِّتي نَظَركِ نحو ذاك الّذي يُهديكِ بوجهه المُنير”. فتيقّنتُ أنّ عليَّ أن آخُذ حذري من الشّيطان، لأنّه خلْفي، ويُريد الإيقاعَ بي. ومن الأفضل لي في سفري، أن أثق بالطيّار الجدير بأن يُوصِلَني إلى مدرج الأمان. وإلى تلك اللّحظة السّعيدة والمجيدة، سأثبِّت نظري في المسيح يسوع، فهو قائد الرّحلة ومُكمّلها والقادر على أن يحفظ قلبي وفكري في سلامه الفائق العجيب.
إنّ السّفَرَ في الطّائرة ممتع على الرّغم من مشاعر الخطر الّتي تُرافقه. وكذلك رحلة الحياة مع يسوع فهي حلوة، مع وجود بعض المطبّات والعثرات على الطّريق، وهذا يدفعني لأقول: طوبى لِمَنْ “أكَّدَ الحجْزَ” مع المسيح وصعد إلى المركبة الإلهيّة، فهو يصل إلى موطنه في ديار السّماء حيث يكون مع المسيح إلى الأبد. لكن، يا لشقاء مَنْ لم يختبر الحياة الجديدة مع المسيح، فهو يبقى في خطاياه ويهلك فيها؛ إلاّ إذا وَضَع حياته، بالإيمان، على كفّي المسيح، فينتشله من بؤرة الفساد ويرفعه إلى فوق حيث هو يجلس. يا لسعادة الإنسان إذا اختبر سلامة الرّحلة إلى نهايتها مع المسيح!…
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.
شاركها.
فيسبوك
تويتر
لينكدإن
البريد الإلكتروني
واتساب
التالي مغفورة خطاياك… قم وامش