قد يسأل البعض ماذا عليّ أن أفعل كَيْ أكون دائمًا في حياة روحيّة حيّة وفعّالة؟ ما هو الأمر الّذي يضمن استمراريّة الحرارة الروحيّة في حياتي؟ البعض سيُجيب أنّ الذهاب الى الكنيسة والالتزام بها هو الأمر الّذي يحمي الحياة الروحيّة. وغيرهم يقول أنّ قراءة كلمة الله، أو الصّلاة، أو الخدمة، أو طاعة وصايا الله والامتناع عن الخطيّة والمعاشرات الرديّة وغيرها من أمور في لائحةٍ تطول، هي ما يضمن حياةً روحيّةً حارّة. مع أهميّة كلّ ما سبق، إلّا أنّ هذه كلّها، ليست سوى نتائج لوجود حياة روحيّة حقيقيّة وليست المُسبّب لها. هذه الأمور لا تولّد حياةً روحيّةً ولا تضمن المواظبة عليها، بل تأتي كثمرٍ لأمرٍ أهمّ.
نرى في كلام يسوع للناموسيّ في متى 22: 36-37 الجواب للسّؤال المطروح أعلاه. سألَ ذاك اليهوديّ المُتشدّد دينيًّا يسوع “أيّة وصيّة هي العظمى؟”، فما كان جواب يسوع له سوى: “تُحِبّ الرّبّ إلهك من كلّ قلبك، ومن كلّ نفسك، ومن كلّ فكرك”. نستخلص من إجابة يسوع هذه أنّ ما يولّد حياة روحيّة مستمرّة في حياتنا هو محبّة الله. إذًا هذا هو المُسبّب للحياة الرّوحيّة. علينا أن نحبّ من أحبّنا أولًا “ونحن بعد خطاة”. هو أحبّنا لأقصى الحدود. أحبّنا حتّى الموت، موت الصّليب.
إذًا حياة روحية “دينيّة” من دون محبّة يسوع تكون مجرّد “تتميم للواجبات الدينيّة”. أمّا محبّة يسوع، فلا تكون بالكلام فقط، وليست أيضًا بمُجرّد موقف علنيّ أمام كلّ النّاس، بل بمشاعر كبيرةٍ له، وبقلب ينبض بحبّه. فعندما نُحِبّ يسوع، يصبح هو محور حياتنا وعقولنا. كلّ ما ذُكِرَ أعلاه من أمور يظنّها الناس المُسبّبة للحياة الروحيّة ليست إلّا نتيجة حبّنا ليسوع. فمن يُحِبّ يسوع يذهب الى الكنيسة ليلتقي به بمواظبة. من يُحِبّ يسوع يُحِبّ كلمته، ويقرأها بانتظام كي يسمع صوت من يُحِبّه. من يُحِبّ يسوع يحيا حياة الصّلاة ويكلّمه بشكلٍ مستمرّ. فقط من يحب يسوع يقدر أن يكون في علاقة حقيقيّة ومستمرّة معه من دون مللٍ من هذه العلاقة.
من يُحِبّ يسوع يقدر أن يضحّي بوقته ويخدمه في الكنيسة وفي المجتمع. من يُحِبّ يسوع يقدر أن يطيع وصاياه، حسبما قال الرّبّ: “إن أحبني أحدٌ يحفظ كلامي” (يو 23:14). من يحب يسوع يقدر أن يتغلبّ على الخطيّة إذ إنّه يعرف أنّ الخطيّة تجرح حبيب قلوبنا. من يُحِبّ يسوع يقدر أن يكون في شركةٍ مستمرّةٍ مع المؤمنين الآخرين إذ إنّ محبّة المسيح هي الّتي تجمعهم. فالمحبّة تولّد الالتزام. والمحبّة تُثمِر وفاءً، واستمراريّةً، وعلاقةً حيّة. ومن يُحِبّ يسوع يصبح لحياته معنى. وإذ نحكي عن الالتزام بيسوع لا نقصد الإلتزام الكنسيّ والطّائفيّ، ولا إرضاء العائلة أو إسكات صوت الضّمير، بل هو أن نحبّ من أحبّنا أوّلاً وذلك بكلّ ما أُوتينا من عاطفةٍ وقدرةٍ وفكر.