تراودنا جميعنا الرغبة في أن نكون أشخاصاً فاعلين ومؤثّرين في مجتمعنا. وينتابنا القلق والاضطراب لو علمنا أننا لم نعد مقبولين في وظيفتنا أو أننا أصبحنا على هامش اهتمام عائلاتنا وأصدقائنا. ونفتّش بالتالي عن طرق ملائمة لنحمي أنفسنا من التهميش.
عشرةٌ تجعلك موظفاً لا غنى عنه؛ عشرون خطوة لتصبح إنساناً فاعلاً! تمتلئ صفحات الإنترنت بمثل هذه العناوين الصادرة بلغات مختلفة تقدّم لك النّصح وتحثّك على اتّقان عملك وتطوير مهاراتك واستعراض قدراتك في إنجاز الأشياء وعلى بناء العلاقات القويّة مع اصحاب القرار و عدم الخوف من التغيير لأنه يولّد في العادة الفرص الجديدة. وتقدّم لك صفحات أخرى أخلاقيات أساسيّة لثباتك بالوظيفة: مثل ضرورة معاملة الجميع باحترام وعدم التقليل من شأن أحد والالتزام بالوعود وعدم الدخول طرفاً في نزاع وتدعوك إلى أن تكون عنصراً فاعلاً في تقريب وجهات النظر وغير ذلك من النصائح المفيدة.
أما في مجال العمل الاجتماعي والصحي، فمعنى أن تكون شخصاً لا غنى عنه هو أن ترى الحاجات الضروريّة للأشخاص الآخرين وتوفّرها لهم. وقد رُتّبت حاجات الانسان الضرورية هذه بأشكال مختلفة أبرزها ترتيب ماسلو (Ordre de Maslow) وهي من حيث الأهميّة: الحاجات الجسدية، الحاجة إلى الأمان، الحاجة إلى الانتماء، الحاجة إلى احترام الذات، الحاجة الفكريّة إلى التعلّم، الحاجة إلى المظهر الخارجي اللائق، الحاجة إلى التمتّع والمرح، الحاجة إلى الانخراط في المجتمع ومساعدة الآخرين.
عليك، إذا أردت أن تكون مؤثراً في حياة الآخرين، أن تساهم في توفير حاجاتهم الجسديّة والماديّة وتدرّب نفسك لإشعارهم بالقبول والأمان والتعاطف معهم ورفع معنوياتهم والاستماع إلى مشاكلهم باهتمام وحفظ أسرارهم ومدحهم واحترامهم أمام الآخرين ومخاطبتهم بالتعبير السخي اللطيف ومشاركتهم خبراتك في الحياة؛ أو أن تقدّم لهم كتباً مفيدة قد قرأتها وتساعدهم في تطوير مهاراتهم وقضاء وقت ممتع معهم وتشجعهم على القيام ببعض الأعمال التطوعيّة. ومن الافضل، عند تطبيق هذه النصائح، البدء بالاهتمام بعدد قليل من الأشخاص قبل أن توسّع الدائرة.
أما في الخدمة المسيحيّة، فنحن مدعوون إلى الاهتمام بالآخرين بالكثير من المحبة الصادقة، لا لأجل منفعة ماديّة أو أهداف خفيّة، بل لتظهر فينا صفات المسيح. وعلينا، لنتمكّن من الاستمرار في خدمة الآخرين، بالصلاة من أجلهم ومن أجل نفوسنا لكي لا نخور، كما علينا أيضاً أن نحيط أنفسنا بأصدقاء إيجابيّين يشاركوننا أهدافنا.
لكن قد تأتي أوقات نشعر فيها بأننا غير قادرين على الاستمرار في هذه الخدمة، لأننا لم نستطع ان نقدّم لأنفسنا ما سبق وقدّمناه للآخرين. وقد وجدنا، بعدما شجّعنا أحدهم على تطوير مهاراته، أننا فقدنا الكثير من مهاراتنا. ونشعر في ذاتنا أننا بتنا مرفوضين بعدما حاولنا إشعار الآخرين بالقبول. نعاون الآخرين على تصفية أذهانهم من الأفكار السلبيّة، فنصبح نحن مشوشي الذهن. نعامل الجميع باحترام وامتنان، وإذا بنا نشعر في داخلنا بالمهانة وثقل المديونيّة. ونغرق في حزن شديد ونلوم أنفسنا ونخشى أن نخسر دورنا في الخدمة. فكيف نُسعف ونحن غير معافين؟ ويصبح التطوّع لخدمة الآخرين عبئاً علينا بدلاً من كونه أمراً ممتعاً. وتصبح نصيحة الآخرين التي كنّا نأخذها بجدّية مصدر إزعاج لنا. ويتحوّل اصدقاؤنا إلى جزء من تعاستنا بعدما كنّا نستمتع بالجلسة معهم. ويسأل الواحد منّا نفسه لماذا بلغتُ هذا الدرك من السلبية، وما السبيل إلى النهوض؟ إليك بعض النصائح العملية:
– فتّش عن الأسباب العضويّة، إذ يتسبب الكثير من الأمراض الجسديّة بالاضطراب النفسي، فاستشر طبيبك.
– امتلك الشجاعة لتخبر من تثق بهم بأن أمورك ليست على ما يرام.
– تقرّب من شريك حياتك فهو الشخص الأول الذي يريد مصلحتك.
– لا تتخذ قرارات مصيريّة تغيّر مستقبلك لأنك لا تستطيع في هذه المرحلة رؤية الأمور بوضوح.
– لا تبادر إلى التزامات جديدة، بل مارس مهامك الضروريّة والملحّة ريثما تعود الأمور إلى طبيعتها.
– تمسّك بمبادئك وكن مؤدباً.
– أعط نفسك بعض الوقت والراحة واقرأ كتباً مفيدة لحالتك.
– ضع أمورك بين يدي الله وتمتع بالشركة معه في الصلاة والقراءة فهو الأعلم بأمورك.
– ثق بأن وضعك ليس إلا مرحلة عابرة.
– تمسّك بالإيمان بأنك ستكون في المستقبل شخصاً حسّاساً أكثر إلى لحاجات الآخرين وأكثر فعلاً في الخدمة.
أن تطمح إلى أن تحقّق النجاح عملك لأَمْر ضروريّ. كما انه من الممتع أن تؤثّر إيجاباً في حياة الآخرين. كما إن تطوّعك لخدمة الآخرين من أجل مجد الله هو أمر سامٍ. كما إنه من المتوقّع أن تواجه الفشل في مرات عدّة. لكن أن تمتنع عن البحث عن فرص جديدة لتصبح إنساناً أفضل في المستقبل فهذا هو الخيار الخاطئ. فأنت خُلِقت لتكون إنساناً فاعلاً فلا تيأس.