لا بدّ من التوقّف عند سلوك سيئ يُمارسه النّاس، ألا وهو إدانتهم بعضهم بعضًا، ولشتّى الأسباب. خصوصًا أنّ الكثير من الجروح والآلام والانتقام ودمار العلاقات الطيّبة بين النّاس ينتج من هذه “الدينونة البشريّة”. قال يسوع: “لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.” (متى 7: 1-2). هذا لا يعني عدم التمييز في الأمور والحكم على الأفعال الشنيعة (1كورنثوس 2: 15). فالكنيسة، كـَ “عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ”، مدعوّة إلى أن تُصلِح بين أعضائها المتخاصمين وإلى أن تُمارس العدالة في أمورهم، إذا طلبوا تحكيمها. وهي مدعوّة إلى أن تُمارس أحكام التأديب والفصل من صفوفها لمن يُشكّل خطرًا عقائديًّا أو أخلاقيًّا على أعضائها (متى 18: 15-20؛ 1كورنثوس 5: 3-5، 11-13؛ 6: 1-8). أمّا هدف التأديب الكنسيّ فهو ترميم حياة المؤمن الروحيّة (2كورنثوس 2: 5- 8).
وأن لا يدين أحدنا الآخر، يعني أن لا نتورّط في مذمّة بعضنا بعضًا في ألاّ نصدر الأحكام الجائرة، بما فيها أحكام “حَرم” الآخرين وتكفيرهم، بسبب التباين في الممارسات الاجتماعيّة والدينيّة، فوحده الله هو المخلّص والديّان “فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟” (اقرأ رومية 14: 4). أمّا من يتورّط في خطيّة أخذ مكان الرّب الديّان فسيدينه الله ويحكم عليه (رومية 2: 1-4). لذا، فمن الضروري أن يُمارس المؤمنون الحكم على أنفسهم، بدل الحكم على الآخرين، علّهم يُصلحون ما فيهم من أخطاء وخطايا وشوائب ليجعلوا من حياتهم حياة مقدّسة ومرضيّة أمام الله (1كورنثوس 11: 31-32).
لكن، سيأتي اليوم الّذي يُعطى فيه القدّيسون الملكوت، ويجلسون على كراسٍ يُعطيهم إيّاها المسيح الديّان ليدينوا اسرائيل إذ أخطأت برفضها المسيح وبصلبه وباضطهاد أتباعه: “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابن الانسان عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاِثْنَيْ عَشَرَ.” (متى 19: 28). وكما يبدو سيكون للمؤمنين دورٌ في يوم الدينونة وفيما بعده، إذ يعطون الملكوت ويجلسون على كراسٍ ليحكموا مع المسيح ويدينوا العالم معه (دانيال 7: 18، 22؛ 1كورنثوس 6: 1-6؛ رؤيا 2: 26؛ 20: 4).