كنتُ فتاةً صغيرةً عندما اصطحبتني أمّي إلى متجر الألعابِ لشراءِ لعبةٍ من اختياري في مناسبةِ عيدِ الميلادِ. كانت ألعابُ البناتِ مكدّسةً على رفوفِ المتجرِ، فراحت عيناي تلتهمُ الواحدةَ تلوَ الأخرى إلى أن وقعَت على دميةٍ جميلةٍ بفستانٍ زهريٍّ اسمها “باربي” فتناولتُها وحضنتُها بقوّةٍ ورحتُ أقفزُ في أروقةِ المتجرِ لشدّةِ فرحي بهذه الدّميةِ الجميلةِ. تلك هي باربي الّتي أعرفُها أنا وأقراني، دميةٌ بريئةٌ وجميلةٌ لطالما لعبَتْ دورَ الإبنةِ الّتي نحنُ “المامايات” الصّغيرات نسرّحُ لها شعرَها الذّهبيّ الطّويلِ ونبدّلُ فساتينَها كلّما اتّسخَتْ.
في القرنِ الواحدِ والعشرين، لم تبقَ “باربي” على حالِها بل عبثُوا بها وأفسدُوها كما أفسدُوا من قبلِها كلّ شيءٍ جميلٍ وبريءٍ. لم تعد في مكانِها المُعتادِ بل أُجبرَت على النّزولِ عن الرّفّ لشنِّ هجومٍ عالميٍّ على كلّ فئاتِ المجتمعِ مروّجةً لأفكارٍ شاذّةٍ وباطلةٍ تتعارضُ مع ثقافتِنا وقيمِنا وإيمانِنا. نعم، عن فيلم “باربي” أتحدّثُ. إنّه الفيلمُ الّذي هزّ أركانَ بلدٍ يتأرجحُ ما بين التحفّظِ والإنفتاحِ فقسمَه ما بين مؤيّدٍ ومعارضٍ. الفيلمُ يزهو باللّونِ الزهريِّ ويأخذُكَ إلى عالمٍ من لونٍ واحدٍ تسودُ فيه المرأةُ بمعاييرَ جمالٍ كاذبةٍ مع تهميشٍ كاملٍ للرّجلِ ما عدا الرّجالُ أبطالُ الفيلمِ وهم من المتحوّلين جنسيًّا.
الفيلمُ ينتشرُ حولَ العالمِ كالنّارِ في الهشيمِ حتّى أنّه وصلَ إلى عدّةِ بلدانٍ عربيّةٍ كالسّعودية والإمارات والبحرين وقد حازَ على إعجابِ شريحةٍ كبيرةٍ من النّاسِ وسرعانَ ما تحوّلَ إلى “ترند”، ففي البحرينِ مثلًا ترند الشاورما بصلصة “باربي” الزّهريّ أنعشَ إقتصاديًّا العديدَ من المطاعمِ البحرينيّة الّتي تشهد إقبالاً غير مسبوق للفتياتِ والنّساءِ. التّرويجُ للفيلمِ يسيرُ على قدمٍ وساقٍ، فمنتوجاتُ باربي تجتاحُ الأسواقَ وبأسعارٍ باهظةٍ جدًّا محقّقةً أرباحاً طائلةً لأصحابِ المحالِّ التّجاريّةِ.
وسطَ هذه الضّجّةِ الّتي أثارَها الفيلمُ، نُفاجأُ بموقفِ بعضِ الجهاتِ “المسيحيّةِ” منه وتأييدِ عرضِه في لبنانَ تحتَ ذريعةِ الحريّةِ والانفتاحِ، فمفهومُ الحريّةِ بالنّسبةِ إلى هؤلاءِ هوَ أنْ تكونَ حرّاً من أيّ عائقٍ يمنعُك من أن تفعلَ ما تريدُ أو تكونَ ما تريدُ أن تكونَه. لكن هل هذا هو مفهومُ السيّدِ المسيحِ للحريّةِ الحقيقيّةِ؟ قطعًا لا. قالَ الربُّ يسوعُ في إنجيلِ يوحنّا أنّ الحريّةَ تتحقّقُ بمعرفةِ كلماتِه والعيشِ بها. “إنّكُم إن ثبتّمْ في كلامي فبالحقيقةِ تكونون تلاميذي وتعرفون الحقَّ والحقَّ يحرّرُكم” (يوحنا 8: 31-32).
قصّةُ سدومُ وعمورةُ المذكورةُ في الكتابِ المقدّسِ في أوّل أسفارِه، هي خيرُ مثالٍ لموقفِ اللهِ من جهةِ الخطايا الجنسيّةِ بشكلٍ عامٍّ والشّذوذُ الجنسيُّ بصورةٍ خاصّةٍ، فقد سكبَ اللهُ كبريتًا ونارًا على المدينتين ودمّرهُما مع سكانِهما (تكوين 19: 24-25) لأنّ رجالَ المدينتين أرادوا ممارسةَ الشّذوذِ الجماعيّ مع الملاكين وهم في صورةِ رجالِ.
أمّا عن النّصوصِ الّتي تدينُ الشّذوذَ الجنسيّ بكلّ أشكالِه فهي أيضًا كثيرةٌ في الكتابِ المقدّسِ. كتبَ الرّسولُ بولسُ بوحيٍ من الله أنّ المثليّين لا يرثون ملكوتَ الله:” لا تُضلّوا. لا زناةُ ولا عبدةُ أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون (متلقّو فعل الفحشاء) ولا مضاجعو ذكور…يرثون ملكوت الله” (1 كورنثوس 6: 9-10). اللهُ لم يخلقِ الإنسانَ بميولٍ شاذّةٍ وإلّا كيف يدينها؟ واضحٌ أنّ المثليّةَ الجنسيّةَ هي ما نصبحُ عليه وليس ما خُلقنا فيه. هي ليستْ مرضاً سببُه اضطّرابٌ هرمونيٌّ كما يزعمُ البعضُ بل خيارٌ يتّخذُهُ الإنسانُ بكاملِ إرادتِه. المثليّةِ هي فعلٌ جنسيٌّ منحرفٌ وغيرُ طبيعيٍّ (رومية 1: 26-27) هي خطيئةٌ سيعطي كل من يمارسُها حساباً عنها عندما يقفُ أمامَ كرسيِّ المسيحِ يومَ الدّينونةِ!
المثليّةُ الجنسيّةُ الّتي يُروّج لها الفيلم تُفسد خطّة الله بتكوينِ عائلةٍ يتمجّد في وسطِها، فالزّواجُ في المسيحيّةِ هو ارتباط رجلٍ بإمرأةٍ في عهدٍ مقدّسٍ معه. في البدءِ، أحضر الله لآدم حواء ليلتصق بها ثمّ باركهم وقال لهم أن يثمروا ويكثروا ويملئوا الأرض (تكوين 1: 28). هذا هو التّصميم الإلهيّ للزّواج أمّا أن يدخلَ رجلان أو فتاتان إلى بيتِ الله لعقدِ قرانهما فهذا فعلًا أمرٌ مخزٍ ولا يجلبُ إلّا العار لإسم المسيح بدلًا من تمجيده.
من المؤسفِ أن يصلَ بنا الحالُ إلى هذا المستوى من الانغماسِ في الرّذائلِ والقبائحِ، فما كانَ يمارسُ في الخفاءِ وبمحدوديّةٍ ها هو يخرجُ إلى العلنِ بواسطةِ جماعاتٍ تطالبُ بتشريعِه بكلّ وقاحةٍ ضاربينَ عُرضَ الحائطِ كلامَ اللهِ وثقافةَ المجتمعِ وقيمِه. فمن يحمينا ويحمي أطفالَنا من الشّياطين الّتي قد تظهرُ بهيئاتٍ أخرى على غرارِ “باربي”، مفسدةً عقولَ أطفالنِا ونافيةً الحقَّ الإلهيَّ؟ من يمنعُ التّقدّمَ إلى أسوأ وسطِ هذا العالمِ المستقلِّ عن اللهِ والمليءِ بالفجورِ والفحشاءِ؟!