ماذا لو عرفت أنّ هذه الليلة هي آخر أيام حياتك؟ ماذا لو عرفت أنّك اليوم ستغادر؟ إلى من تلجأ؟ بمن تستعين؟ هل بأهل أو بصديق أو بقدّيس مائت أو بملاك أو بشيطان أو بِمَن؟
لا تخف مما سيحدث لحظة الموت. الموت يتمّ بسرعة أكثر مما يتصوّره المرء. بل خَف إن لم تكن تضمن أنّ الله سيُرسل ملائكته ليأخذوك إليه. خَف إن لم تكن تضمن الحياة الأبديّة مع المسيح. الموت لا يُخيف المؤمن الواثق من خلاص نفسه. الموت يُحرّر الرّوح ويسمح لها بأن تنطلق إلى الله. الموت هو هبة إلهيّة لنا، كما هي الحياة، وكما سائر بركات الله الحاضرة والمستقبليّة “فكُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ ِللهِ.”
إذًا الموت هو أداة تحرير وهو يقودنا إلى الشركة مع الله ومعاينته وجهًا لوجه في أرض تفيض لبنًا وعسلًا وتُعطي شجرة الحياة التي فيها ورقها لشفاء الأمم. الله ينقلنا في لحظة إليه وذلك عبر بوابة الموت. والموت لن يُخيف في ما بعد كلّ من اختبر نعمة الخلاص بالمسيح الذي بموته أمات سلطة إبليس وأعتق جميع “أُولئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ.”
سيكون الموت في أقصى حالاته كالبوّاب اللّابس بزّة سوداء واقفًا لاستقبالنا إلى رحاب احتفال ملكوت السماوات. تُطلَب أرواحنا في تلك اللحظة، تحضر بعض الملائكة، ويُغمَر الإنسان المؤمن للحال بتعزية فائقة تُبدّد ضيقته وخوفه من الموت. هذا ما شعر به داود عندما افتكر بالموت: “لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ. إِذْ قُلْتُ: قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي. فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي. عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي”.
يقول بولس الرسول إنّ لا داعي للمؤمن أن يخاف ويستوهم من اختبار الموت فالله حينذاك سيضع أمامه المنفذ ويُعطيه النعمة والقوة ليستطيع أن يحتمل ضيقات الموت. وكان بولس واثقًا أنّه سيكون قويًّا ومنتصرًا وثابتًا بمحبّته للمسيح لحظة موته إذ قال: “إنَّ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ… تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ”. أما الّذين يموتون في الرّب فلن تتسلّط عليهم الظلمة والتعاسة والخوف بل سيغمرهم نور المسيح وفرحه: “الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.”