إنّ موضوع قيامة المسيح من الموت ليس بالموضوع الّذي يُمكن أن نتجاهله بعد أن نعرف عنه. فهو ليس بالحدث العادي ولا المسيح بالشخص العاديّ أيضًا. فهو “مخلّص العالم” الّذي جاء ليفتدي الخطاة ويقهر الموت بقيامته وليُعطي النّاس الخلاص. إذًا، لا خلاص لأحد من دون فداء المسيح وقيامته، أو قُلْ لا خلاص لأحد من دون الإيمان بموته الكفّاري البديليّ وبقيامته المجيدة! ومن أراد أن يختبر القيامة مع المسيح يوم عودته الثانية، فعليه أن يختبر قوّة قيامته الآن في حياته الأرضيّة. ومن لا يختبر قيامة المسيح الآن، فلا قيامة له مع المسيح فيما بعد. عرِف بولس الرسول هذه المعادلة الملزمة، فقال: “لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ.” (في 3: 10-11).
وشكّلت هذه الحقيقة محور الإنجيل، أو بشارة الأخبار السّارّة، الّذي حمله الرسول بولس إلى الأمم:
“وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِالإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ وَقَبِلْتُمُوهُ وَتَقُومُونَ فِيهِوَبِهِ أَيْضًا تَخْلُصُونَ إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلاَمٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلاَّ إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثًا!فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِوَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ.” (1كو15: 1-4).
لقد كانت الكنيسة الأولى تُقدّم إنجيل القيامة للناس الّذين طالما خافوا من الموت، آخر عدو يُهزَم. وآمنوا بأنّ المسيح، بقيامته، أبطلَ الموت وأنار الحياة أمام المؤمنين به وأعطاهم الخلود بوساطة الإنجيل (2تي1: 10). نعم، إنّ الإيمان بقيامة المسيح يؤثّر في مستقبل الإنسان الأبديّ. فمن يؤمن بقيامة المسيح فله قيامة معه. ومن يرفض قيامة المسيح فلن يقوم مع القدّيسين لحظة قيامتهم، كما سبق ورأينا في هذا الفصل.
لكن، يبقى لحياة المؤمنين الشخصيّة وعودًا يُعطيها المسيح المُقام لا سواه، فهو يُعطي الرّوح القدس للّذي يؤمن به، ليُعزّيه ويُعلّمه ويُرشده (يو 16: 7 و14: 16، 26)؛ ولا يبقى المؤمن بالمسيح المُقام يتيمًا في الأرض إذ إنّ الرّب يضمّه إلى جسده، أي شركة القدّيسين المؤمنين (أع 2: 37-47؛ 1كو 12: 13)، التي هي الكنيسة حيث يملأ الكلّ من روحه (أف 1: 20-23) ويُعطيهم المواهب الرّوحيّة ليبني أحدهم الآخر (أف 4: 8-13) وليتعلّموا من كلمته (أف 1: 17-23) ويملأهم قوة مع روحه، فيُطلِقوا البشارة بالمخلّص الفادي والمُقام من الأموات إلى أقصى العالم (أع 1: 8).