يشغَل صديقي آدم منصب مدير جامعتنا المحليّة. وهو يتعامل يوميًّا مع طلاّب جامعيّين من خلفيّات متنوّعة. منهم من يُعاني مشاكلَ واضطرابات، ومنهم من هو تحت المراقبة الأكاديميّة، وآخرون منغمسون في الخطايا، وغيرهم مدمنون على المخدّرات، وطلاّب اعتُدِيَ عليهم، وآخرون على وشك مغادرة الكلّيّة. وهو، بعبارةٍ أخرى، يتعامل مع أفراد حسّاسين وغير محصّنين وعرضة لشتّى أنواع ضغوطات الحياة.
يستمع آدم يوميًّا إلى معانات هؤلاء الطّلاّب. وفي كلّ مرّة يقول لهم بكلّ بساطة: “أنا أتفهّم التّجربة الّتي تجتازونها”، ولكنّه لم يكن دائمًا قادرًا على تعزيتهم بطريقةٍ فعّالة. فهو، في معظم الحالات، لم يقدر أن يتحسّس مشاعرهم لأنه لم يختبر التّجارب الّتي يمرّون فيها.
وهذا ما نفعله عندما نعزّي الحزانى ومريري النفس الّذين أثقلت التّجارب والآلام كاهلهم. نحاول أن نتعاطف معهم ونشدّهم ونظهر لهم بأنّهم محبوبون وليسوا وحيدين وأنّ آلامهم يختبرها كثيرون من النّاس. ورغم أنّ دوافعنا غالبًا ما تكون سليمة في تعزيتهم، فإننا لا نقدر، في كثيرٍ من الأحيان، أن نشعر بمعاناتهم لأننا لم نختبر آلامهم. أضف إلى ذلك أننا نختلف في شخصيّاتنا وبنيتنا البيولوجيّة وقوّة احتمالنا للتّجارب. فقدرتنا المحدودة على تفهّم آلام ومعانات الآخرين والتخفيف عنهم تجعلنا نتّكل على “الله الذي يُعزّي المتضعين” (2كو 7: 6).
يعرف الرّبّ يسوع المسيح كلُّ واحد منّا أكثر ممّا نعرف أنفسنا. يعرف ضعفنا ونقاط قوّتنا وبيئتنا وبنيتنا البيولوجيّة وكلّ زاوية مظلمة في حياتنا ونظرتنا إلى المجتمع وإلى العالم من حولنا. ومعرفته عن الألم ليست معرفة نظريّة مأخوذة من الكتب، بل ناتجة عن اختباره أشدّ أنواع الحزن. فقد تعرّض للخيانة من أقرب المقرّبين إليه وسُخِرَ منه واستُهزِئ به وذُلَّ، وعندما عُلِّقَ على الصّليب انفصل الآب عنه. لقد كان حقًّا “رجل أوجاع”.
يقدر المسيح إذًا أن يعزّينا في ضيقتنا بسبب معرفته المطلقة لنا واختباره الشّخصيّ للألم، “لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ” (عب 2: 18). وهو لا يتركنا نتخبّط مع الهموم ونخوض تجربتنا بمفردنا. كما لا يطلب منّا أن نتّكل على قدراتنا فنرحّب بالتّجارب ونتحلّى بمعنويّات رفيعة وننهض من محنتنا، بل يسير في طريق الألم معنا ويمنحنا قوّةً من علاه ويسكب من نعمه علينا لكي نقدر أن نحتمل. وعلى رغم أنّ إبليس يستخدم الضّيقات ليُشكّكنا في محبّة الله لنا وليُبعدنا عنه، علينا في الواقع أن نتقرّب من الرّبّ ونلتصق به أكثر فأكثر.
إن كنا مُكتئبين وحزانى وغرقى في بحرٍ من الهموم والضّيقات وشعرنا أننا منبوذون ومخذولون، وقد كسرتنا تجارب الحياة، هناك مُعين نلتجئ إليه فيُعزّينا، إنّه المسيح، الّذي يعرفنا بالتّمام ويعرف ما نحتاج إليه والقادر على أن يًعزّينا ويُفرِج ضيقتنا، وهو الذي يدعونا: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (مت 11: 28). في وقت ألمنا، قد يفيدنا أن نتأمّل بالآية التالية: “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ” (2كو 1: 3-4).