في الفكر السّاميّ كان يُشار إلى الحوادث المهمّة بحسب يوم حدوثها فيُقال بيوم كذا أو كذا… فمثلًا في العهد القديم يُحكى عن “يوم أورشليم” وهو يوم دمارها. (مز 137: 7). حتّى لو كان يوم ضيق شخصيّ كان ليذكره المتألّم على الشّكل التّالي: “فِي يَوْمِ ضِيقْيِ الْتَمَسْتُ الرَّبَّ.” (مز 77: 2).
وكان يوم الرّبّ بالنّسبة إلى أنبياء إسرائيل في العهد القديم يُشير إلى يوم دينونة إسكاتولوجيّ يحدث في المستقبل، كالإشارة إلى يوم يدين فيه الله الأرض. (إش 2: 12). أمّا شعب إسرائيل فكانوا يتوقّعون أنّ يوم الرّبّ هو لافتقاد الله لهم مؤمنين أنّه سيأتي إليهم بحقبةٍ مليئةٍ بالرّجاء. وإن راجعنا الشّواهد الكتابيّة حول يوم الرّبّ لوجدنا أنّها لا تضمن آمال شعب إسرائيل. وهذا ما يظهر في أقدم هذه الشّواهد على فم النبيّ عاموس إذ قال: “وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَشْتَهُونَ يَوْمَ الرَّبِّ! لِمَاذَا لَكُمْ يَوْمُ الرَّبِّ؟ هُوَ ظَلاَمٌ لاَ نُورٌ.” (عا 5: 18-20).
كتب اللاهوتيّ جورج لاد: “لقد حطّم النبيّ عاموس هذا الأمل غير الدّينيّ الضّحل بإعلانه أنّ المستقبل سيحمل الكارثة وليس الأمان.” وهذا ما رآه عاموس في يوم الرّبّ حين تُدمّر أورشليم وتسحقها قوًى غريبةٌ. (عا 2: 5؛ 3: 9-11). وأثنى أنبياء آخرون على سوداويّة هذا المشهد (إش 2: 12؛ زك 4: 1).
ويقول يوئيل عن ذاك اليوم الرّهيب: “آهِ عَلَى الْيَوْمِ! لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ. يَأْتِي كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.” (يؤ 1: 15). ويوُسّع النّبيّ صفنيا وصفه للكارثة المقبلة في يوم الرّبّ: “ذلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ، يَوْمُ ضِيق وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ.” (صف 1: 7، 14). ويصف صفنيا مشاهد معارك عظمى تحصل في أماكن عديدةٍ في يوم الرّبّ (صف 1: 10-12؛ 16-17؛ 2: 5-15).
وإلى جانب هذه النّظرة المتشائمة، هناك كلمة أخرى نبويّة مؤكّدة. فالأنبياء لم يتكلّموا عن أحداث تاريخيّة حصلت في الماضي اعتبروها يوم الرّبّ، أو حصلت في يوم افتقاده لشعبه، إنّما رأوا في يوم الرّبّ أمورًا مستقبليّةً إسكاتولوجيّةً تحصل في آخر الأيّام. وحتّى عاموس قد اعتبر أنّ يوم الرّبّ سيكون يومَ دينونةٍ مخيفًا على المسكونة (عا 8: 8-9؛ 9: 5). وفي ختام هذا المشهد الكارثيّ يأتي الخلاص والرّجاء لإسرائيل. (عا 9: 11؛ صف 3: 16-17). وهكذا نرى أنّ ذاك “اليوم” لإسرائيل هو يومٌ قريبٌ وبعيد، يومٌ تاريخيٌّ وإسكاتولوجيّ. من الممكن أن يكون يوم افتقاد قد سبق وحصل في التّاريخ أو يتكرّر في ختام التّاريخ.
أمّا العهد الجديد فيتمسّك بهذه النّظرة المستقبليّة ليوم الرّبّ ويقول أنّ علامته المميّزة هي عودة يسوع المسيح (الباروسيّا). إذًا سيكون يوم الرّبّ هو يوم إعلان المسيح. (2تس 2: 2؛ قارن مع 1كو 1: 8؛ 5: 5). وهكذا يُمكن أن يُسمّى “يوم الرّبّ يسوع” (2كو 1: 14) أو ببساطة “يوم المسيح” (في 1: 10: 2: 16). وسيكون يومًا مُفاجئًا. “لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ.” (1تس 5: 2؛ 2بط 3: 10). وسيشهد ذلك اليوم معركةً حاسمة. (رؤ 16: 13-14). وسيشهد دينونةً عظيمة: “مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ.” (2بط 3: 12). هذه المشاهد الموصوفة في هذه الآيات تتطابق مع الحصيلة الّتي حكى عنها يسوع: “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ.” (لو 17: 24).
التّطوّر الأهمّ في إسكاتولوجيا العهد الجديد هي النّظرة المسيحيّة القائلة أنّ العصر الإسكاتولوجيّ الأخير قد افُتُتِح في مجيء المسيح والرّوح القدس. وهكذا اقتبس بطرس الرّسول (يوئيل 2) في عظته في يوم الخمسين (أع 2) مُفسّرًا أنّ حلول الرّوح القدس ما هو إلّا تتميمٌ لنبوّات إسكاتولوجيّة. وهذا يتوافق مع الفكرة الواردة في العهد القديم حول الافتقاد الإلهيّ الخاصّ في لحظةٍ ما في التّاريخ. ومع هذا يكون إتمام النبوّة الكامل مستقبليًّا. وهكذا يكون العالم قد دخل يوم الرّبّ الّذي لن يَكْمُل إلّا عند مجيء المسيح ثانيةً.
*قاموس اللاهوت الإنجيليّ