غالبًا ما يأتي المثل الشعبيّ منحوتًا من واقع الحياة، ويخرج من رحم التّجارب الّتي تحصل مع الإنسان في بيئته الاجتماعيّة. وفي بيئتنا المشرقيّة، كم من عناصر تُغني الرّوح والعقل وتُعَدّ مصدر إلهامٍ و معرفة، ومنها الطّبيعة الّتي منها يستقي الإنسان الأمثال و دروس الحياة!
ومن الأمثال الشّائعة والّتي نعرفها في لبنان ونتداولها تلك الّتي نستوحيها من العنب، ثمرة الكرمة اللذيذة. والعنب اللبنانيّ يشتهر أنّه من ألذّ أنواع الفاكهة الصيفيّة وأطيبها. وقد استوحى الناس منذ قديم الأيام مثلًا من الكتاب المقدّس صار شائعًا أو كان شائعًا عند استخدام النبيّ حزقيال له: “مَا لَكُمْ أَنْتُمْ تَضْرِبُونَ هذَا الْمَثَلَ عَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، قَائِلِينَ: الآبَاءُ أَكَلُوا الْحِصْرِمَ وَأَسْنَانُ الأَبْنَاءِ ضَرِسَتْ؟” (حز 18: 2).
والحصرم هو حبّات العنب قبل أن تلفحها الشّمس فتنضج وتتحوّل من المذاق الحامض إلى المذاق الحلو واللذيذ! ويُقال هذا المثل عندما يقوم الأهل بأفعال شائنة تنعكس سلبًا على أولادهم، كتبذير المال في لعب الميسر فتكون النّتيجة أن يرث الأولاد الدّيون المرهقة والمتاعب المؤلمة وتبقى أفعال أهلهم وصمة عار على جبينهم لا تُمحى.
وهناك مثل آخر مضحك وليس مؤلمًا كالمثل السّابق، وقد سمعته أكثر من مرّة في المناطق الريفيّة في سهرات المرح والتسلية. يُقال عن الّذي يأكل العنب بشراهة وَنَهَم إنه يلتهمها مثل وحوش الغاب الّذين يأكلون فريستهم. وبدل أن يأكل هؤلاء حبٓات العنب بلياقة حبّة بعد حبّة، يضعون في فمهم عددًا منها دفعة واحدة، فيحصل جرّاء ذلك سعال واختناق واحتقان في الحلق وانقطاع في التنفّس ويكاد الرجل الشَّرِه يقضي اختناقًا. أحفظ مثلًا كانت جدّتي تقوله لنا ونحن صغار: “حبّة حبّة أكل العنب. إثنين إثنين حشمة وأدب. ثلاثة ثلاثة مشتهي العنب. أربعة أربعة أكل الدّبب.”
هذه الأمثال إن دلّت على شيء فهي تدلّ على طبيعة الإنسان وتمسّكه بالقِيَم وميله إلى سلوك حياة مستقيمة وسعيه إلى التّصرّف بلياقة وتهذيب فلا يخرق قواعد الأصول والمنطق والأخلاق والتّصرّف الاجتماعيّ الحسن. يا للأسف، الأجيال الشابّة في أيّامنا هذه تجهل هذه الأمثال ولا تُقيم لها اعتبارًا.