السّير على أقدامنا حقٌّ وامتياز مُنِح لنا، لكننا نفقد أحيانًا هذه القدرة التي تميّزنا عن بعض الكائنات الحيّة. والسّير يأتي بالفطرة، ولا نستطيع بالتالي أن نقرّر بين “أن نسير أو أن لا نسير” على غرار ما ورد في مسرحيّة “هاملت” لشكسبير: “أن أكون أو لا أكون”. إلاّ أنّ إعاقةً ما قد تأخذ هذا القرار بدلًا منّا.
أعاني، منذ عدّة أعوام، من مرض تصلّب الأنسجة. وحلمتُ، بعد خضوعي لعلاج جديد، بالمشي وقيادة السّيارة والذّهاب الى الكنيسة. منحني ذلك وميضاً صغيراً من الأمل في أن أتمكّن من السير مجدّداً على قدميّ من دون أيّ مساندة. شرعتُ في كلّ ليلة أعقبت العلاج أتحسّس قدميّ علّني أشعر بتحسّن أو تقدّم. أعياني النّوم، إذ بات عقلي أسيراً لآمال الإنسان بقدراته وبإمكانات العلاجات الطبّية. لكن الأمل أخذ في التلاشي بعد مضيّ خمسة أو ستة أشهر على ذلك.
سهُل عليّ، وأنا أنظر إلى الوراء وإلى كل ما حدث معي، أن أنحرف بعيدًا من الله. وأخذت تدور في رأسي التّساؤلات والمقارنات بين اختياراتي وقدراتي وبين إيماني المسيحي: هل الأمل وعد فارغ؟ ولمّا لم أجد أيّ تغيير في حالتي من ناحية، واستمرار النّاس، من ناحية أخرى، بطرح أسئلة مثل “هل ستمشين مجدّدًا؟” و ” كيف تشعرين؟”… بدأت أسقط في فخّ الكآبة. وسبب الكآبة، باعتقادي، هو محاولة استبدال قدرة الله ومشيئته بالقدرات الذاتية للإنسان. فهل إنني طلبتُ مشيئة الله؟ كّلا. أردتُ أن أمشي، ربّما سأمشي يوماً بإرادته، لكنّني أريد أن أمشي الآن.
فشلت أحلامي واعتمادي على قدرة الإنسان والعلاجات الطبّية، فأدركتُ أنه يجب أن أضع رجائي في الله. لأن الأمل الأبدي هو عند الله، وفي كلمته المعزّية. وحصلتُ على التعزية والتشجيع من كتاب الصّلاة المسيحيّة، كتاب المزامير، المزمور الثالث عشر.
عانى الملك داود من حزن شديد وسكب روحه أمام الله يحدوه الأمل التام في ان يستمع إليه الله. “إلى متى يا رب تنساني كلّ النسيان. الى متى تحجب وجهك عنّي”. ورفع داود طلبه، ملتمساً من الرّب ومنتظرًا أجوبة سماويّة. “أنظر واستجب لي يا ربّ الهي. أنِر عينيّ لئلّا أنام نوم الموت”. نظرَ داود مثلنا إلى مشاكله بعين بشريّة، لكنّه بحث عن معونة سماويّة فطلبها بثقة: “أمّا أنا فعلى رحمتك توكّلت، يبتهج قلبي بخلاصك”. وتغيّر بإيقاع المزمور من انسان مخذول الى إنسان منتصر. وأدرك داود أن الله المخلّص يعتني به.
تعلّمت من الملك داود أنّه لا يوجد أملٌ سوى الأملِ الأبدي الذي يجمع بين “الأمل والالتماس والثّقة.” وحتّى لو إنني لم أستطع السّير كما ينبغي، فسيبقى قلبي يغنّي دائمًا الى الله: “أغنّي للرّب لأنه أحسن اليّ”.