تطوّر التعريف الطبّي للموت، عبر التاريخ، من انقطاع التنفّس وفقدان الوعي وانعدام الحركة وتوقّف الحياة، إلى موت خلايا الجسد وأعضائه الفيزيولوجيّة. ثم تتصلّب العضلات وتشتدّ بسبب انخفاض حرارة الجسم وتوقّف الأيض Metabolism الّذي ينجم عنه تجدّد الخلايا الحيّة والتفاعلات الكيميائيّة التي تُزوّدها الطاقة. وعندذاك يتوقّف الجهاز المناعيّ عن العمل، فتبدأ الأنسجة بالتآكل حيث تتكاثر الجراثيم التي تُسرّع عمليّة التحلّل، مما يؤدّي إلى تفتّت النسيج الخلويّ، إضافة إلى تلَف الأعضاء والعظام وتحوّلها موادَّ عضويّة شبيهة بتراب الأرض.
ولكن، وعلى الرَّغم من التقدّم الطبّي، ما زال من الصعب على العلماء تحديد ما الذي يحدث تمامًا داخل الإنسان فيموت في تلك اللَّحظة الرّهيبة. ويبقى السؤال هل يحدث الموت دفعة واحدة أو هو عمليّة تأخذ مجراها بدءًا من موت الإحساس والمشاعر وانطفاء الوعي الداخليّ وفقدان التواصل مع المحيط، وتوقّف الدماغ عن العمل، وصولًا إلى خروج الروح والتوقّف النهائيّ للتنفّس وللقلب عن الخفقان، الّذي يرافقه انعدام النبض وتوقّف الدورة الدمويّة عن السير في الشرايين انتهاءً بالانهيار التّام للتماسك الداخليّ.
وقد اكتشف العلم الحديث أنّ من الممكن أن يتوقّف القلب عن الخفقان ويُعاد تشغيله بتقنيّات متنوّعة في اللَّحظات الأولى، إلَّا أنَّ الإنسان لا يعود إلى الحياة في حال تأخّرَ إنعاش قلبه مباشرة وتضرّرت خلايا دماغه في شكل دائم، بسبب النقص الحادّ في الأوكسجين. وقد اكتشف العلم أيضًا أنَّ انعدام قوّة الحياة التّامَّة في خلايا الجلد والعظم واللَّحم والقرنيَّات لا يحدث إلَّا تباعًا، خلال مدة تتفاوت ما بين أربع وعشرين ساعة وستِّين ساعة من موت الإنسان، أو قد يطول أكثر في حال الشرايين التي يمكن الاستفادة منها خلال مهلة أقصاها اثنتان وسبعون ساعة من الوفاة. أمّا الدّم فلا يمكن الاستفادة منه إذ يبدأ تخثّره سريعًا بعد حوالى عشرين دقيقة من حدوث الوفاة. والواضح أنّ في الإمكان استخدام أعضاء الميت عند استئصالها من جثّته مباشرة بعد الوفاة. إذًا هناك شيء من قوّة الحياة ما زال فيها، من دون أن يكون صاحبها على قيد حياة، في أيّ شكل من الأشكال. العجيب أنّ الاستفادة من هذه الأعضاء وتوفير استمرارها بيولوجيًّا ممكنة في أجساد الأحياء الآخرين في كثير من الأحيان، ولكن لا يُمكن إحياء جسد الميت في أي شكل من الأشكال.
هنا لا بُدّ من القول إنّ القدماء كانوا يتريّثون في إعلان موت إنسان أو دفنه، مُعطين بضعة أيّام قبل إقامة جنازته، ليتأكّدوا من حقيقة موته، إذ لطالما فاجأتهم عودة أشخاص إلى الحياة ظنّوهم قد ماتوا! أمّا تطوّر العلم والاختبارات والأجهزة الطبيّة اليوم فقد سمحت بالتأكّد من حدوث الموت في شكل حاسم.
إنَّ شرح الموت بطريقة طبيّة لم يعد كافيًا للإنسان الَّذي يبحث في حقيقة ما يحدث عند الموت، وكيف تُغادر الروح أو النفس البشريّة وعاءها الترابيّ، وما الَّذي يشعر به الإنسان وما الَّذي سيُواجهه مباشرة عند أوّل لحظة بعد موته. طبعًا هناك نواحٍ تبقى مجهولة للإنسان ولا يقدر أن يفهمها، ويحتاج إلى مساعدة إلهيّة، أو إلى وحيٍ أو إلى رسالة من “خلف القبر” ليستطيع أن يعرف كلّ ما يُحيط بموت الإنسان.