طبيعة كلّ كائن حي التطوّر باطنًا وظاهرًا، منسجمًا ومنطق الحياة الذي يفرض التغيير المتصاعد الى الأفضل والأجمل والأكمل. والإنسان هذا الكائن، يملك مقوّمات تطوّر طبيعية، أضف العقل الخلّاق العبقري، الذي يفكّر ويدرك ويعي، صابًّا جهودًا حثيثة ليهندس المستقبل. فيؤكد إنسانيّته متقربًا من الفكر الذي أَنْسَنَهُ واليد التي كوّنته والإصبع التي خطّت دربه.
عندما يحيا الإنسان إنسانيّته، ويُحِسُّ عقلنته بعيدًا من وحشيّةِ طبيعتهِ وجنوحِ غرائزيّته؛ يرتقي التطوّر الأقْوم، ويسلك المسارَ الأصح، ويصل الهدف الأدقّ. فيُنتزَع من ماديّته وشيئيّته، مُلتفعًا نبلَ الإختراع وسموّ الإكتشاف.
لكنّ الإنسان لم يحفظ طهارة التطوّر، بل اختار سُفْلَ العلم رافضًا قُدسيّة القيَم، أُسَّ كلّ حضارةٍ وتقدّم. فبينا العلم يقفز سريعًا، بدأت القيَم رحلة الغياب، وانتحت الخُلُقية موقفَ الخَفَرْ.
كان الضمير الذاتي المرهف هو في نهضة العلوم والإنسانيّة. أمّا اليوم فاجتاحت التكنولوجيا الحدود، وحطَّمت القيود، وأزالت السدود. وانفلتَ الإنسان في حريةِ فوضى، معرَّى على سطحيّة الحياةـ يمتطي الخمول بديل عناد الطموح.
هنا ينبري سؤال كبير: هل حاضرنا أفضل من الماضي؟
أقمنا ناطحات سحابِ شاهقة شاهقة لكنَّ أخلاقنا تتدنّى.
طرقاتنا واسعة، لكنَّ آراءنا تضيق.
نصرف اموالًا طائلة، لكنْ نقتني حاجاتٍ قليلة.
بيوتنا كبيرةٌ، لكنَّ عيالنا صغيرة وتصغر.
تغزو التكنولوجيا منازلنا، لكنَّ وقتنا يهرب منا.
نُحصِّل درجاتٍ عالياتٍ ومراكزَ طموحة، لكنَّ منطقنا جاهل وثقافتنا بخارية.
تحشو المعرفة عقولنا، لكننا لا نُحكّم العدل ولا نقيّم قضايا الحياة.
نملك طُغمة خبراء في الميادين كافَّة ، لكنَّ مشكلاتِنا تتعقّد يومًا فيومًا.
نصنِّع أدوية متطوّرة فعّالة، وتتحدّانا أمراضٌ مُستعصِية، فنقف عاجزين فاشلين.
تتضاعف ممتلكاتنا، وتتضاءل فضائلنا.
نثرثر كثيرًا، ونصمت ونصغي قليلًا.
نحبُّ قليلًا، ونكره كثيرًا.
نتقن جمع الثروات في الحياة، ونجهل أن نعيش فلسفة الحياة.
غزونا الكواكب، لكنّنا لا نقطع الطريق لنرحّب بجارنا الذي انتقل الى منزله القريب.
قسمنا الذُرَّة، وعجزنا عن كسر كبريائنا وأنانيتنا.
كَبُرت رواتبنا، وتدنَّت صدقيّتنا.
نهتمّ بِالكمّ، ونُهمل النوع.
لنصغِ الى قول سليمان الملك الحكيم في الكتاب المقدس، منذ 1000 سنة قبل الميلاد، واصفًا جيل اليوم:
“جيل يلعن أباه ولا يبارك أمّه”.
جيل طاهرٌ في عينيّ نفسه وهو لم يغتسل من قذره.
جيل ما أرفع عينيه وحواجبه مرتفعة.
“جيل أسنانه سيوف، وأضراسه سكاكين، لأكل المساكين عن الأرض والفقراء من بين الناس”.
ويقول الرسول بولس أيضًا سنة 68 بعد المسيح: “لأنَّ الناس يكونون مُحبّين لأنفسهم، مُحبّين للمال، مُتعظّمين، مُستكبرين، مُجدّفين، غيرَ طائعين لوالديهم، غيرَ شاكرين دنسين.”