ولد القدّيس إيرونيموس أو جيروم في ستريدون، وهي بلدة صغيرة على حدود دلماطيا وبانونيا (الآن جزء من كرواتيا وسلوفينيا الحديثة). تم تدمير مسقط رأسه من قبل القوط في عام 379 م.
نحن نعرف القليل من التّفاصيل عن والديه، باستثناء أنّهما كانا مسيحيّين وأنّ والده، يوسابيوس، كان مالكًا محليًّا ميسورًا. ابتدأ جيروم تعليمه في المنزل قبل إرساله إلى روما في سن الثّانية عشرة، حيث تلقى تعليمًا كلاسيكيًّا ممتازًا ودرس القواعد والبلاغة والفلسفة. اعتمد الشّاب جيروم عن عمر تسعة عشر سنة بعد توبته عن خطاياه وذلك في العام 366 م.
وبعد الانتهاء من دراسته، سافر لمدّة عشرين عامًا إلى مناطق في الشّرق، بما في ذلك آسيا الصّغرى وسوريا وفلسطين، وانجذب بشكلٍ متزايدٍ إلى الحياة الرّهبانيّة والزّهد رافضًا فساد الإكليروس الأخلاقيّ. في عام 375 م، سعى جيروم إلى السّكون والسّلام فتنسّك في صحراء خليكس جنوب شرقي إنطاكية.
خلال ذلك الوقت، تعلّم اللاتينيّة والعبريّة واليونانيّة وشارك كتاباته بالمراسلة مع أصدقائه. وافق جيروم أن يُرْسَم للخدمة طالما يستطيع مواصلة حياته الرهبانيّة والمدرسيّة ولن يضطر إلى أداء الوظائف الكهنوتية.
برهن الكاهن جيروم إنّه لاهوتيّ ومؤرّخ لامع فتمّ الاعتراف به كباحث مهمّ بحلول العام 378 م. اشتهر بترجمته للكتاب المقدّس من اليونانيّة والعبريّة إلى اللاتينيّة، والمعروفة باسم الفولجاتا، أيّ بالّلغة اللاتينيّة العاميّة، وذلك تحت رعاية البابا داماسوس الأوّل (304-384). جعلت معرفة جيروم باللغة العبريّة والتّعليم الكلاسيكيّ المكثّف الرّجل المثاليّ لهذه المهمّة.
أصبحت ترجمته النّص المعتمد للكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة حتّى المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (1962-1965). حلّت نسخة جيروم محلّ التّرجمات اللاتينيّة الضّعيفة السّابقة والّتي كانت متاحة آنذاك، إلّا أنّها هي أيضًا لم تكن خالية من أوجه الضّعف الخاصّة بها. يُعتبَر القدّيس جيروم أكثر آباء الكنيسة علمًا ويُعتبر أحد العظماء الأربع في الكنيسة الغربيّة، إلى جانب القديس أمبروز والقديس أوغسطينوس والقديس غريغوريوس الكبير.
أمّا دفاع جيروم الحماسيّ عن الحقيقة وزهده فقد جعل منه ناقدًا مميّزًا لمعاصريه في القرنين الرّابع والخامس. أثّر التزامه بالتميّز الأكاديميّ والبحث الشّامل على كتاباته الغزيرة حول الكتاب المقدّس واللاهوت والحياة الرهبانيّة الّتي بدورها أثّرت على الكنيسة في بدايات العصور الوسطى.
عمل جيروم كمستشارٍ روحيّ للإمبراطورة يوستوخيوم ووالدتها باولا. وفي العام393 م أسّس جيروم وباولا جماعة دينيّة في بيت لحم، حيث عاش حتّى وفاته. آمن جيروم أنّ معرفة الكتاب المقدّس هي شرط أساسيّ لمعرفة المسيح فاشتهر بعبارته الخالدة: “الجهل بالكتاب المقدّس هو جهل بالمسيح”.
بشكلٍ عامّ، لعب القديس جيروم دورًا مهمًّا في تشكيل المسيحيّة الغربيّة كما نعرفها اليوم. تمّ تقديس جيروم من قبل الكنيسة الكاثوليكيّة في القرن الثاني عشر، ويتم الاحتفال بعيده في 30 أيلول من كلّ عامّ، الّذي هو أيضًا يوم وفاته في العام420 م.