من أين للمسيح هذا اللقب: “ابن الله”؟ إنّ لقب “ابن الله” جاء أولًا لمريم العذراء من خلال بشارة الملاك جبرائيل الّذي قال لها: “اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” (لو 1: 35). وفيما بعد أعطاه إيّاه الآب السماويّ مرتين، يوم معموديّته ويوم التجلّي بالمجد والقوّة إذ جاء صوت من علاء يقول: “أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ” (مرقس 1: 11؛ 9: 7). وهو الّلقب الذي استخدمه بطرس عندما قال له: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!” (متى 16: 16-17). حتّى أنّ الأرواح الشريرة التي طردها من الإنسان السّاكن القبور اعترفت أنّه “إبن الله” إذ عرفت من يكون (مرقس 5: 7). وهو الّلقب الّذي اعترف له به قائد المئة الّذي كان عند صليبه لحظة أسلم الرّوح ومات، فقال: “حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!” (مرقس 15: 39). أما لقب “ابن الله” فيُشير إلى موقع المسيح الأرفع من بني البشر.
وإن سأل أحدهم: هل لله ابن؟ فالجواب الحتميّ هو أنّ الله لا يتزوّج و لا يَلِد أولادًا! لكن عبارة “ابن الله” تعني “ابن الألوهة” و”صاحب الطّبيعة الإلهيّة”، أو “الكائن الإلهيّ”، كما نعني بعبارة “ابن الانسان” ابن الطبيعة الإنسانيّة، أو ببساطة نقصد فيه “كائنًا بشريًّا”. ويؤكّد يسوع أن ابن الله والآب واحد يُنسقّان ويعملان بوحدة تامّة وانسجام كامل. “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ.” (يوحنّا 5: 19، 30). حتّى أنّ يسوع قال: “وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي” (يوحنّا 16: 32)، وتجرّأ وقال: “أَنَا وَالآبُ وَاحِد” (يوحنّا 10: 30). وبسبب هذا التصريح الجريء والواضح، تناول اليهود حجارة ليرجموه بتهمة التجديف والإشراك!
لقد أوضح يسوع لتلاميذه طبيعة العلاقة التي تجمعه بالآب، وأكّد لهم أنّ أعماله تشهد لهذه العلاقة: “وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيه” (يوحنّا 10: 38). ثمّ عاد وأوضح لفيلبس بناء على طلبه: “يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ.” (يوحنّا 14: 9-10). إنّ كلّ ما سبق وقاله يسوع يُظهر إعلانه لألوهته ليؤمن بها تلاميذه.