يعتبر المقال الّذي نشره دانيال غولمان في مجلّة هارفرد للأعمال عام 2000 والّذي تحدّث فيه عن أنماط القيادة، نقطة مرجعيّة في مجال علم الإدارة والقيادة. وقد حدّد غولمان في مقاله ستّة أنواع للقيادة وهي: القيادة الأتوقراطيّة والقيادة الدّيمقراطيّة والقيادة الرؤيويّة والقيادة بتحديد الإيقاع والقيادة التّدريبيّة والقيادة الجمعيّة.
ويعتمد القادة، عادةً، خلال فترة إدارتهم، على أسلوب مُحدّد للقيادة مع تطبيق أسلوب رديف حسب مقتضيات الحاجة الإداريّة. أمّا يسوع فقد مارس، خلال فترةٍ قصيرةٍ، كلّ أنواع القيادة المذكورة:
من حيث القيادة الرؤيويّة: كان يسوع قائدًا رؤيويًّا بامتياز حيث قدّم للنّاس رسالةً واضحةً ومحدّدةً عن الحياة الجديدة القائمة على الحبّ والسّلام، ورسم بوضوح الطّريق المؤدّي نحو الملكوت السماويّ.
من حيث القيادة الأتوقراطيّة: إستخدم يسوع القوة واللغة الحازمة عندما احتاج الأمر إلى ردّ قويّ. كما فعل حين طرد التجّار والصرّافين من الهيكل. وهكذا يرسم عادة القادة الأتوقراطيّين الخطوط الحمراء الّتي لن يسمحوا لأحد بتجاوزها.
من حيث القيادة الديمقراطيّة: كان يستمع يسوع إلى تلاميذه ويشجّعهم على المشاركة في المناقشات. فكان يسأل تلاميذه مثلًا عمّا يقوله النّاس عنه، وما يقولونه هم عن هويّته، ليس لأنّه لا يعرف الجواب إنّما لإعطائهم الفرصة للتّعبير عن آرائهم وأفكارهم.
من حيث القيادة بتحديد الإيقاع: كان يسوع قدوةً بكلّ معنى الكلمة. فقد كان يقود بالأفعال وهو الّذي لم يطلب شيئًا من تلاميذه إلّا وفعله قبلهم. حّتى أصبحت طريقة حياته مصدر إلهام لكلّ من عرفه؛ وهو القائد الّذي غسل أرجل تلاميذه واضعًا معايير أخلاقيّة وسلوكيّة مرتفعة.
من حيث القيادة التدريبيّة: كان يسوع معلّمًا صالحًا لتلاميذه. فهو كان يساعدهم على النّموّ الرّوحيّ والفكريّ ويُحضّرهم للتّحدّيات الّتي ستحيط به وبهم في المراحل اللاحقة وكيفيّة تجاوز هذه المصاعب.
من حيث القيادة الجمعيّة: أظهر يسوع حبّه لتلاميذه، حتى لاولئك الذين خذلوه وشككوا به.
المسيح هو القائد الكريزميّ بامتياز. فلا يمكن أن تتعرّف إليه إلّا وتنجذب نحوه بفعل قوّة تعاليمه وشخصيّته وأفعاله وبفعل الحياة الكاملة النقيّة الّتي عاشها، وهو الّذي جُرِّب بكلّ شيء مثلنا، ولم يسقط في خطيئةٍ ما. هو القائد الملهم الّذي تقتدي به وتحبّه وتفتخر بكلّ فعل من أفعاله فترى نفسك أسير قوّته وحكمته وحبّه فتتبعه طوعًا.
إنّه القائد التّحويليّ الّذي سوف يقلب حياتك عندما تتعرّف إليه، حيث تخلع عنك الإنسان القديم بضعفه وذّله وخجله لتلبس معه وبواسطته ثياب القوّة فيقلب حياتك ويرفعك من مجدٍ الى مجد.
إنّه القائد الخادم الّذي حدّد بأنّ العظيم هو مَن يَخدُم وليس مَن يُخدَم.
يسوع المسيح هو القائد الكامل، فقد جمع كلّ أساليب القيادة مع تصميمٍ مطلقٍ على تحقيق هدفه بالرّغم من معرفته علم اليقين حجم الآلام الّتي ستحلّ عليه، من هنا يمكننا توصيف هذه القيادة الثّوريّة ب”القيادة المُركزة” (Focused Leadership) والّتي محورها الحبّ المطلق مع التّركيز المطلق على الهدف. وحين تستمدّ هذه القيادة حجم قوّتها من طاقة الحبّ الهائلة اللامتناهية، تصبح كالنّهر الجارف والّذي حتى الموت يفقد هيبته أمامها. فيخرج القائد الكامل بكلّ مجده لينهي مهمّته قائلًا: “ما من حبّ أعظم من هذا بأن يبذل أحد نفسه لأجل أحبّائه”.