من منّا لم يسمع عن حادثة السفينة “تايتانيك” الّتي تعتبر من أهمّ الأحداث المأساويّة في بداية القرن العشرين. قد ننسى بعضًا من تفاصيل هذه الحادثة المؤلمة وقد نذكر بعضها. لكنّ اسمًا واحدًا لا ينبغي أن يٌنسى وهو اسم القس المعمدانيّ الإسكوتلانديّ جون هاربر.
كان جون هاربر آنذاك في سنّ التاسعة والثلاثين وكان يرعى كنيسة والورث رود المعمدانيّة في لندن. وكانت حياته العائليّة صعبةً جدًّا إذ إنّ زوجته توفّيت بعد أن أنجبت ابنتهما الوحيدة، فكان عليه أن يربّيها بنفسه.
كان القس هاربر قد قام بسلسلة اجتماعاتٍ تبشيريّةٍ في كنيسة مودي ميموريال الشّهيرة في شيكاغو في السّنة السّابقة لحادثة السفينة. وقد أتت تلك الاجتماعات بثمارٍ وفيرةٍ إذ كانت سببًا لخلاص نفوس الكثيرين. لذلك تلقّى هاربر دعوةً أخرى إلى شيكاغو ليخدم لعدّة أسابيع في ذات المكان. وحيث أنّ الدّعوة كانت عام 1912 وجد نفسه وابنته على متن السّفينة الشّهيرة التايتانيك.
عندما ضربت السفينة العملاقة جبل الجليد، حمل هاربر طفلته إلى قارب النّجاة وكانت المرّة الأخيرة الّتي يرى فيها ابنته. ثمّ أخذ يساعد النّساء والأولاد وكبار السنّ للوصول إلى قوارب النّجاة وأعطى سترة الإنقاذ خاصّته لأحد الركّاب، إذ كان كلّ همّه أن يساهم في إنقاذ أكبر عدد ممكن من المسافرين على متن السّفينة.
حينما أوشكت التايتانيك على الغرق، كان هاربر يصارع الموت في مياه المحيط الأطلسيّ الجليديّة. وشاءت إرادة الله في تلك اللحظات المهيبة أن يلتقي برجل آخر يحاول إنقاذ نفسه. فأسرع بسؤاله: هل نفسك مخلّصة؟ فأجابه الرجل بالنّفي. عندئذٍ أسرع هاربر بتلاوة آية من الإنجيل “آمن بالرّب يسوع المسيح فتخلص” (أع 16 : 31). ثمّ اختفى ذلك الرجل في المياه لبضع دقائق ليعود ويظهر ثانيةً أمام هاربر. فسأله أيضًا: هل نفسك مخلّصة؟ فأجابه: ليس بعد. فما كان من القس إلّا أن يعيد على مسمعه ذات الآية.
انتبه الرجل الموشك على الغرق لتلك الرّسالة الملحّة. وهناك، على وجه مياه المحيط الأطلسيّ، قَبِلَ رسالة الخلاص تلك وآمن بالرّبّ يسوع. لكنّ الأهم من ذلك أنّه نجا من الغرق ليعود بعد بضعة أسابيع ويخبر قصّة خلاصه العجيبة في هاميلتون في كندا. وقد وصف نفسه بهذه الكلمات: آخر المخلّصين على يد القس هاربر.
لقد غرق جون هاربر في تلك الليلة لكنّ كلماته مازالت حيّة حتّى الآن. وهنا نسأل أنفسنا السّؤال ذاته: هل نحن مخلّصون؟ إذا كانت إجابتنا “لا”، فالدّعوة الموجّهة لنا جميعًا قبل فوات الأوان هي نفسها: “آمن بالرّبّ يسوع المسيح فتخلص“. لنثق تمامّا بالمسيح المخلّص، فنحصل على الحياة الأبديّة.