الوهم عالم الأشياء البعيدة عن الواقع. ففي ثناياه يُسجَن الإنسان مُعلَّقًا بين خياله وواقعه المختلفين. والوهم في الفلسفة وبحسب Robert I. Reynolds “حالةٌ عقليّةٌ مضطّربة، إذ يُصبح العقل غير قادرٍ على التّمييز بين ما هو حقيقيّ ومنطقيّ، وبين التخيُّلات والأوهام، لدرجة مساواة جميع الظّواهر الوهميّة والإدراكية في وجودها، وهي حالة متناقضة بين وعي المرء والمثيرات الخارجيّة، والوهم مرض نفسيّ.”
بمعنى آخر، الواهم يخلُق صورة ذهنيّة مركّبة ليس لها مطابق في الواقع. فلربّما كان يسعى إلى الهروب من واقعه الّذي لا يُرضيه، أو يخشى العيش في تلك الظّروف، فيبيت في خيال يجرف معه كلّ آثار الحقيقة، ومع تقدّم الأيّام، شرط ألّا تتدهور حالته النّفسيّة فيُمسي خطرًا على نفسه ومحيطه؟
ويُعرَّف الوهم بـمعجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي – بأنّه “الوسواس والشّكّ، واعتقاد خاطئ يؤمن به المرء بشدّة، حتّى مع عدم وجود أدلَّة عليه، وقد يدلّ أحيانًا على مرضٍ عقليّ”.
وخير دليلٍ على ما سبق، أيهم، وكما يعني اسمه المُصَاب في العقل، عهد على الاعتقاد بأنّه أعظم شخصٍ في القرية. فكان دائم الكلام والتّباهي بنفسه وبإنجازاته وبكمّ الأشخاص الّذين يهابونه ويرجون خدمته علّهم ينالون رضاه. ولكثرة قصصه الخارقة، استحوذ على ثقة أبناء البلدة فصاروا يقصدونه كلّما كانوا بحاجةٍ إلى نصيحةٍ أو لمعرفة ما سيحصل في البلد. إلى أنْ قصده أهلُ راجي الشّابّ المثقّف والمهذّب. ولكن لم يكن راجي يرضى بذهاب أهله إلى الرّجل الموهوم أيهم، إلّا أنّه خضع لإلحاحهم كونه ابنًا خلوقًا وشديد الأدب. وفور وصولهم صار يخبرهم عن مكالمته الّتي كان يجريها مع وزير الصّحّة قبل قدومهم بقليل. فاستبشر أبو راجي خيرًا، واسترسل بطلبه منه علَّه يوظّف ابنه المتفوّق في الوزارة. وكعادته، أطلق أيهم العنان لخياله وصار يطمئن الأبوين المتواضعين مؤكّدًا لهم بأنّ ابنهم صار موظّفًا رسميًّا. ولكن، المصيبة حلّت حين صدر قرار التّعيينات في الجريدة الرّسميّة، وبالطّبع لم يُذكر اسم راجي بينهم. فما كان من أبو راجي إلّا أنْ أسرع قاصدًا بيت المريض أيهم، حيث فوجئ به حاملًا هاتفه الخليوي قادِمًا نحوه وهو يقول: “انظُر إلى كمّ الرّسائل الّتي أرسلتُها للوزير الّذي لم يجرؤ على أن يردّ عليّ لأنّه عالمٌ بخطئه الجسيم!”. ولكنّ أبا راجي لم يكن غبيًّا، بل لاحظ أنّ الرّسائل لم تكن حتّى مقروءة من قِبل الـمُرسَل إليه. عندئذٍ فهم ما كان ابنه راجي يقول له عن كثرة أوهام الـمُتعظِّم أيهم. وبالرّغم من كلّ ما جرى لم يتغيّر أيهم.
بالـمُقابل فقد قال أحدهم: “أتمنى ألّا أتذوّق طعم الوهم، لا شيء أصعب من أن يقطع المرء مسافات في أمرٍ ما، ثمّ يكتشف بأنّه واهم، وكلّ ما يحدث مجرّد خدعة سخيفة.”
وهذا جُلَّ ما يجب أن يكون عليه موقف كلّ إنسان مُكَوَّن على صورة الله خالقه. لذلك من المفترض تحصين النّفس لتفادي الوقوع في شباك الوهم. لأجل ذلك، ينبغي على كلّ فرد أن يجدّ في أثر اكتساب واقتناء الحكمة، والحفاظ عليها، كما جاء في سفر الأمثال: “إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ، وَلَذَّتِ الْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ، فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ، وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ.”