ورد اسم عمانوئيل ثلاث مرّات في الكتاب المقدس. أشهرها النبوة ان العذراء تحبل وتلد ابنًا يُدعى اسمه عمانوئيل أي الله معنا. (اش 7: 14؛ متى 1: 23). وهو في الأساس صاحب أرض اسرائيل ورئيس شعبها. “أرضك يا عمانوئيل” (إش 8: 8). لم يسبق ان استخدم أي شخص آخرَ اسم عمانوئيل. فعمانوئيل، ابن العذراء، اسم ليس كباقي الأسماء. وهو يعني الكثير في اللاهوت. يقول الله معنا. هنا الحضور الإلهي مع البشر. إنه لا يحمل اسم الله، بل هو الله شخصيًّا الذي نزل إلى عالم البشر. به يُعلن سرّ الله للناس. نعم، به أعلن الله، الذي لم يره أحد قطّ من الناس، ذاته لهم فلا يبقون في جهلهم ولا في بعدهم عنه. يُعلن العهد الجديد بوفرة وبقوة ان المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد (يو 1: 14). ونرى في عمانوئيل الاعلان الإلهي بقوة. “اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.” (يو 1: 18). استعلن الله للبشر بعمانوئيل. هذا السرّ عظيم. أربك العقل البشري. كيف أن الكائن على الكل إلهًا مباركًا صار إنسانًا “معنا” (رو 9: 5).
الاستنارة والفهم الروحي
عمانوئيل، الله معنا، جاء ليمنحنا بصيرة فنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق والحياة الابدية. (1يو 5: 20). الله معنا، يُعطينا بصيرة لنعرفه. ولا إمكان، من دونه، لمعرفة الله. النور الحقيقي اتى ليُنير كل انسان. وعندما يستنير الانسان، يعرف الله، ويختبر حضرة الله. عمانوئيل، الله معنا، تعني أنه مع المستنيرين الذين أنار الإعلان الإلهي ذهنهم وقلبهم. نرى هذه الاستنارة، في بشارة الملاك لمريم، سبّبها فعل تنويري إلهي سماوي مرتبط بتجسد الله الابن، “اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو 1: 35). من يستنير يعرف أن في المسيح “يحل ّكلّ ملء اللاهوت جسديًا”. (كو 2: 9). علينا، ليكون الله معنا، أن نعرف عمانوئيل. يجب، ليكون الله معنا، أن نقبل عمانوئيل. ويجب، لنعرف أن الله معنا، أن نؤمن بعمانوئيل. عمانوئيل ظهر لنعرفه ونؤمن به ونقبله وليكون معنا. “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.” (1تي 3: 16).
لن نبقى بعيدين
الله معنا تعني ان النعمة لن تُبعِد الله في ما بعد عن المحكومين بسبب خطاياهم. فللخطأة أمل في ألا يبقوا بعيدين بل في أن يتقربوا بعمانوئيل من الله ويصبحون من أهل بيته. “الله معنا” وليس “الله البعيد عنا” ولا “الله ضدنا” ولا “الله قاضينا” ولا “الله محاربنا”. بعمانوئيل ينقلب ما قد حصل في الجنة عندما طرد الله آدم وحواء ووضع سيفاً متقلّباً حتى لا يجدا طريقهما إليها. في عمانوئيل تنسكب النعمة بفيض وبغنى على البشر الذين أخطأوا وأعوزهم مجد الله. (رو 3: 10) في عمانوئيل يعرف هؤلاء الذين عاشوا بشهوات الجسد والافكار فيض القداسة والقربى مع الله (أف 2: 3). بعمانوئيل، نعلم أن الله “أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا” (1يو 3: 5).
يخبرنا عمانوئيل، الله معنا، ايضًا أن الله يهتم بنا ويرعانا ويحمينا بحضوره معنا. في ايام الضيقة والحرب وانقضاض شبح الموت على البشر يأتي عمانوئيل ليحمي شعبه ويسود عليهم. عمانوئيل اسم يطلبه الناس، من دون أن يعرفوا معناه حقًّا. الله معنا، يُريدونه من دون شروطه، ومن دون أن يحكم. يُريدونه تعويذة ضدّ الشرّ المتمادي في العالم. لا يمكن الله معنا ان يكون لتغطية خطايانا وتأمين الحماية لنا ونحن نستمر فيها. لا يمكن عمانوئيل، الله معنا، أن يرى الشرّ ويسكت عنه. عيناه اطهر من أن تنظرا الشرّ (حب 1: 13). كيف يمكن أن يكون معنا فيما نحن في شرورنا؟ “الله معنا” جاء ليبذل نفسه من أجلنا وليفدينا من كل إثم وليُطهّر لنفسه شعبًا خاصًّا غيورًا في أعمال حسنة (تي 2: 13). عمانوئيل الله معنا، يربط بيننا وبين السماء بحرف “مع” ليقول أن اللحمة ممكنة، وأنه بتغييرنا إلى قديسين يمكن أن نتحد بالقلب والجوهر بالله الذي هو نور وليس فيه ظلمة البتّة (1يو 1: 5). عمانوئيل الله معنا، مع الذين تغسلوا من خطاياهم بفضل مجيئه إلى حياتهم واختبارهم التطهير بدم الله المتجسد ليُخلّصهم وليكون معهم.
معنا دومًا
أخيرًا، عمانوئيل، الله معنا، يعدنا بأنه يبقى معنا طول الأيام وإلى انقضاء الدهر (متى 28: 20). لا يترك عمانوئيل أولاد الله المتفرقين بل يجمعهم إلى واحد ويبقى معهم وفي وسطهم فيحميهم ويباركهم بحضوره وببركاته. وتتوقف القصة كلها على هل إن “الله معنا” أو لا. إن كان معنا، فمن علينا؟ وإن بعدَ عنا، فيا ويلنا! يعدنا في سفر الرؤيا، “هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ” (رؤيا 21: 3). هل يقدر عقلنا على أن يتصوّر روعة التواجد في حضرة الله؟ يعجز البشر عن تصوّر مجد المكان ويعجز اللسان عن وصفه. هناك مع عمانوئيل، “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (1كو 2: 9). نعم سنكون هناك، لأن عمانوئيل جاء ليكون معنا هنا.