في بداية عام 1870، كان هوراشيو سبافورد محاميًا بارعًا في مدينة شيكاغو، لكنّه في ذلك العقد شهد محنًا قاسية غيّرت مجرى حياته. كانت أولى هذه المِحن وفاة ابنه الوحيد عام 1871، ثمّ جاءت كارثة حريق شيكاغو العظيم، التي دمّرت المدينة وألحقَت به خسائر ماليّة فادحة، إذ كان قد استثمر جزءًا كبيرًا من ثروته في العقارات هناك، فالتهمت النّيران معظم ممتلكاته.
بعد عامين، قرّر سبافورد أن يأخذ عائلته في رحلة بحريّة ترفيهيّة إلى إنجلترا، حيث كان صديقه المُبشِّر الشهير د. مودي سيعقد اجتماعات تبشيريّة في وقت لاحق من العام. أرسل سبافورد زوجته وبناته الأربعة قبله على أن يلحق بهنّ بعد إنهاء بعض الأعمال العاجلة.
ولكن في 22 نوفمبر 1873، وقعت الكارثة. فبينما كانت السّفينة Ville du Havre تُبحِر في عرض البحر، اصطدمت بسفينة شراعيّة تُدعى Lock Earn ما أدّى إلى غرقها خلال دقائق.
في تلك الليلة، كانت آنّا سبافورد قد اجتمعت ببناتها الأربعة للصّلاة قبل النّوم، لكن في السّاعة الثّانية فجرًا، بدأت السّفينة تغرق. حاولت آنّا التّشبّث ببناتها بكلّ ما أوتيت من قوّة، لكنّها فقدت اثنتين، ثم الثّالثة، وبقيت ممسكة بابنتها الصّغرى ذات العامين حتّى أغمي عليها، لتستيقظ لاحقًا وتجد نفسها على متن سفينة إنقاذ، لكن بدون بناتها. كانت حصيلة المأساة وفاة 226 شخصًا، بينهم بنات سبافورد الأربعة. عند وصولها إلى إنجلترا، أرسلت آنّا برقيّة قصيرة إلى زوجها، لم تكتب فيها سوى كلمتين: “نجوتُ وحدي.”
أبحر سبافورد على الفور إلى إنجلترا لمواساة زوجته. وخلال الرّحلة، وعند مرور السّفينة بالموقع الّذي غرقت فيه Ville du Havre أشار القبطان الى الموقع الّذي فقد فيه بناته. غير أنّ سبافورد لم ينظر إلى المياه بل رفع عينيه نحو السّماء المضاءة بنور القمر، وأخذ يصلّي شاكرًا الله على السّلام الّذي يملأ قلبه رغم المأساة. في تلك اللحظة، تدفّقت من أعماقه كلمات ترنيمة أصبحت من أشهر الترانيم الإنجيليّة: “إن فاض السلام.”
في وقت لاحق، زار دوايت مودي والمرنّم المشهور فيليب سِنكي صديقهما سبافورد وزوجته لتعزيتهما. وعندما أطلع سبافورد سِنكي على كلمات التّرنيمة، قرأها الأخير بتأثّر ثم قال: “هذه الكلمات سترنَّم في كلّ أنحاء العالم وستكون سبب تعزية للملايين.” وهذا هو المقطع الأوّل من الترنيمة:
إن فاض السّلام كنهرٍ جرى
أو هاجت كالبحر الأمواج
فحظّي بربّي وإنّي أرى
في أمان نفسي في إيمان
في سلام في سلام
إنّني دائمًا في سلام
لقد كانت هذه التّرنيمة سبب تعزية للآلاف من المؤمنين في أوقات ضيقهم وألمهم وحزنهم. لا تمرّ الحياة بدون تجارب قاسية وخسائر كبيرة ماديّة وصحيّة ومهنيّة وعائليّة. أمّا الإنسان فلن يجد الأمان الحقيقيّ ما دام لم يخلص بعد، وما دام تائهًا عن الطّريق الصّحيح. يبقى السّؤال الأهمّ المطروح على كلّ إنسان: هل نفسك بسلام في مواجهة أبديّتها؟ سؤال يستحقّ التّفكير المعمّق والقرار الصّحيح قبل مواجهة اللجّة الأخيرة.