يحكي سفر الرّؤيا عن عمل التنّين وتحالفه مع الوحش والنّبي الكذّاب في الضّيقة العظمى وقبل مجيء المسيح في آخر الأّيام. طبعًا النّص الرؤيويّ لا يحكي عن تنّين حقيقيّ ينفث نيرانًا من فمه ودخانًا من منخريه، كما تُصوّره الأساطير والصّور والأفلام، أو كما وصفه أيّوب في القديم عندما سمّاه “بهيموث” (وحش ضخم) أو “لوِياثان” (تمساح هائل) (أي 40: 15؛ 41: 1، 18، 20).
يستخدم يوحنّا الرّائيّ صورة التنّين بشكلٍ مجازيّ ليُشير لإبليس وذلك اثنتي عشر مرّة. وقد دُعِيَ “التنّين” و”التنّين العظيم الأحمر” و”التنّين العظيم” و”التنّين، الحيّة القديمة، الّذي هو إبليس والشّيطان”. (رؤ 12: 3، 4؛ 7، 9، 13، 16-17؛ 13: 2، 4؛ 16: 13؛ 20: 2).
من يدرس هذه الشّواهد الكتابيّة يعرف أنّ التنّين هو الشّيطان، الّذي كان رئيس ملائكة وتمرّد على الله، فحاربه رئيس الملائكة ميخائيل وغلبه. وبعدها أُنزِل مع ثلث الملائكة الّذين تبعوه “من السّماء” إلى أرضنا الّتي صارت مسرحًا له فصار “رئيس هذا العالم” حيث يُمارس عدائيّته ضدّ الله والبشر وضدّ شعب الله في العهدين القديم والجديد (لو 10: 18؛ يو 14: 30؛ 1يو 3: 8؛ إش 14: 12-15؛ حز 28: 12-27؛ رؤ 12: 4؛ 7-9).
إبليس “الحيّة القديمة” و”الّذي من البدء يُخطئ” هو مخادع ٌكبيرٌ يستخدم التّضليل والكذب، وهو أوقع بأبوينا الأوّلين، آدم وحوّاء، وما زال يُجرّب النّاس والمؤمنين من أوّل يوم وحتّى آخر الأيّام ويشتكي عليهم أمام الله (رؤ 12: 10). يُحذّرنا بولس أن نؤخذ بمكره ودهائه الشّديدَين (تك 3: 1، 14؛ 2كو 11: 3)..
يسوع عرّف إبليس بأنّه “كذّاب” و”أبو الكذّاب” و”قتّال” للنّاس منذ البدء “ولم يثبت في الحقّ وأنّه ليس فيه حقّ” (يو 8: 44). وسيزيد الشّيطان من عمل التّضليل والقتل في الأيّام الأخيرة وخاصّة في الضّيقة العظمى وذلك بشكلٍ غير مسبوق. وسيُعطي التنّين قوّته وسلطانه للوحش الخارج من البحر ليحكم العالم وليجعل النّاس يسجدون له (رؤ 13: 2، 4). نعم ستصير عبادة الشّياطين علنيّة وشائعة في الضّيقة العظمى (1تي 4: 1؛ رؤ 9: 20-21).
وإن كانت البشريّة قد عانت طويلًا من أفعال إبليس الشّريرة، إلّا ولكونه يُدرِك “أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلاً” سيزيد من غضبه على النّاس في الضّيقة العظمى (رؤ 12: 12). أمّا شرّه فلن يدوم إلى الأبد إذ يوم دينونته آتٍ لا محالة. جاء في نبوّة إشعياء: “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ.” (إش 27: 1). ويؤكّد سفر رؤيا يوحنّا أنّ المسيح سيهزم إبليس، في نهاية تمرّده الأخير بعد الملك الألفي. وسيرميه في “بحيرة النّار والكبريت” مع الوحش والنبيّ الكذّاب حيث “سَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.” (رؤ 20: 10).
المطلوب مِمّن يعرف خطورة هذا التنّين أن يحذر الوقوع في حبائله فيصير من ضحاياه. يُظهِر سفر الرّؤيا أنّ إبليس لن يتمكّن من تضليل مؤمني الضّيقة العظمى وأنّهم لن يسجدوا له. وسيُقاوموه بجسارة وسيغلبوه حتّى ولو قتل منهم الكثيرين. “وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ.” (رؤ 12: 11).
يُظهِر الوحي أنّ التنّين “اضطّهد المرأة” – والمقصود بالمرأة شعب الله – وعمِلَ المستحيل لإفنائها، إلّا أنّ الله بقوّته حماها حتّى عَبَرَ الغضب عنها. “فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ” (رؤ 12: 14).
المطلوب منّا أن نكون كهؤلاء الأمناء الّذين لم يستسلموا ولم يُقدّموا أنفسهم للتنّين ولم يخافوه، فإمكانيّة الإنتصار عليه متاحة للجميع. “فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ.” (يع 4: 7؛ أف 6: 11-13؛ 1بط 5: 8-9).