يولد الإنسان مجبولًا بحبّ ذاته، فمنذ طفولته يتعلّق بأشيائه ولا يرضى أن يتخلّى عنها بل يتمسّك بـها بشدّة. والطفل يتصرّف أحيانًا بطريقة عدائيّة تجاه مَن يحاول أن ينتزعها منه حتّى ولو كان على سبيل الـمزاح.
ولينمو الطفل سليم النّفس والعقل، يجتهد الأهل الأصحّاء في زرع حبّ تقاسم الأشياء مع أقرانـه في نفسه ليُساعدوه على الابتعاد عن الأنانيّة. كذلك، يعزّز معلّمو رياض الأطفال أهميّة روح التّعاون من خلال ألعابٍ جماعيّة. فترى كلّ طفل في المجموعة يتشارك تارةً ويتشاجر طورًا مع باقي رفاقه، إلى أن يصل معهم إلى مرحلة التّفاهم.
ولكن إن بَقِيَ المرء يشعر بأنّ كلّ شيء يخصّه وحده، ويريد اجتذاب انتباه النّاس معطيًا نفسه الأهميّة الكبرى، تُشَـخَّص حالته بالـمرضيّة. وكما عَرَّفَ أحدهم الأنانية بأنّهـا “سمة سلوكيّة يعتمد عليها الشّخص في أفعاله للحصول على مصالحه الخاصّة من دون مراعاةٍ لتأثير أفعاله على الآخرين، بحيث يرغب بتأمين حاجاته وتحقيق سعادته ورفاهيّته فقط، وهذا بدون أن يحسب ما لسلوكه هذا من تأثيراتٍ سلبيّة على الآخرين.” هناك أمثلة كثيرة نتعلّم منها. فماذا نقول عن الأهل الذين يُطلقون النار ابتهاجًا عند نجاح ابنهم في الامتحانات الرسمية؟ هل يفكّرون في أنّ رصاصة قد تقتل طفلة بريئة تقف على شرفة بيتها؟ وماذا نقول عن عروسين استخدما الأسهم الناريّة الثّقيلة في حفل عرسهما فقضت على ثلثي حرجٍ صنوبريّ لم تتمكّن فرق الإطفاء من الوصول إليه بالسّرعة المرجوّة لوعورة الطّرقات المؤدّية إليه. وعلاوةً على ذلك، فقد تسبّبا بـخسارة جسيمة للمالكين.
جاء على لسان أحدهم: “يُعتبر القليل من الأنانيّة أمرًا طبيعيًّا إن حاول الإنسان الاهتمام بحاجاته لضمان رفاهيّته النفسيّة أو الجسديّة. ولكن إن جعل الشّخص أبسط حاجاته في مرتبة أعلى من الحاجات الأساسيّة للآخرين باستمرار فهذا يُعدّ سمة مرضيّة في الشخصيّة.”
ويُعرف أنّ الشّخص الأنانيّ هو شخصٌ مضطّرب نفسيًّا. وبالتّالي، يكون فكره مشوّشًا ويؤثّر سلبًا على كلّ من اقترب منه، ويفقد التّعاطف مع الآخرين وبالتّأكيد لن يشعر بالنّدم بعد أن يؤذي محيطه. يُكرّر الأنانيّ أفعاله المؤذية الّتي يؤلم بها كلّ من اعترض طريقه، ويستغلّ أيّ شخص للوصول إلى هدفه.
يسلّط أحد علماء النّفس الضّوء على شخصيّة الأنانيّ فيقول: “لا يمكن للشخصيّة الأنانيّة أن تبدي أيّ تعاطف لما يشعر به الأشخاص وإن كانوا مقرَّبين، مما يجعل من العلاقة سميّة. لن يتّخذ الأنانيّ أيّ موقف لإنصاف غيره، أو للوقوف إلى جانبه، إذ أن مصلحته هي دائمًا فوق مصالح الآخرين، وهي وحدها ما تدفعه لاتّخاذ المواقف لحمايتها.” إنّ في هذا التّصريح، خير إيضاح لفهم ما يصادفنا في حياتنا اليوميّة من مشاكل بسبب هؤلاء الأنانيّين الفاقدي الحسّ.