بينما كنت أقف في أحد المتاجر، أنتظر دوري عند المحاسبة، شدّ انتباهي شابٌّ بدا من مظهره أنّه ينتمي إلى طبقةٍ ميسورة. كان أنيقًا ويحمل هاتفًا فخمًا، ويجرّ أمامه عربتين محمّلتين بالبضائع.
وقفت أراقبه بلا قصد، حين لاحظت حركةً غريبةً منه. إلتفت يمينًا ثمّ يسارًا وبسرعة، وكأنّه يتأكّد بأنّ لا أحد يراه، مدّ يده الى رفّ جانبيّ وأخذ قطعة حلوى صغيرة، دسّها في جيبه، وعاد إلى وقفته المعتادة كأنّ شيئًا لم يكن.
هذا الشّاب ليس لصًّا ولكنّه ضحيّة اضطّراب يسمّى “هوَس السّرقة” أو “كلبتومانيا”، وهو إضطّراب ينهش صاحبه من الدّاخل، حيث لا يتردّد الشّخص في سرقة ممتلكات الأفراد من عائلته، أصدقائه أو سرقة أيّ شيءٍ آخر إذا سنحت له الفرصة بذلك. يتمثّل هذا الإضطّراب بالدّوافع الّتي تتملّك الشّخص باستمرار وتدفعه للسّرقة بشكلٍ لا إراديّ. فالشّخص المصاب بهذا الإضطّراب يسرق عادةً أشياء لا يشترط أن تكون ثمينة أو أن يكون بحاجتها، وفي أغلب الأحيان يتملّكه شعور بالذّنب والإحباط جرّاء فعله.
يُعتبر عدم التّوازن الكيميائيّ في الدّماغ السّبب الأكثر مصداقيّةً لتفسير هذا الإضطّراب، بالإضافة إلى أنّ التّاريخ العائليّ المَرَضيّ كأن يكون أحد الوالدَين أو الأشقّاء مصابًا بهذا الإضطّراب، كذلك وجود اضطّراب نفسيّ آخر كالقلق والإكتئاب أو إضطّراب تعاطي الموادّ المخدّرة.
غالبًا ما يبدأ هذا الإضطّراب في الظّهور في بداية مرحلة المراهقة، وحوالي ثلثَي المصابين به هم من الإناث.
إضطّراب هوَس السّرقة ليس إضطّرابًا شائعًا ولكنّه قد يسبّب الكثير من المشكلات القانونيّة، الأُسَريّة والنفسيّة، لذلك فالعلاج النّفسيّ ضروريّ لمن يعاني من هذا الإضطّراب، يلعب العلاج السّلوكيّ المعرفيّ دورًا فاعلًا في معالجة هذا الإضطّراب كذلك العلاج الدّوائيّ، بالإضافة إلى الدّور الدّاعم من البيئة المحيطة له والّذي يؤثّر عليه إيجابًا ضمن هذا الإطار.
يبقى هوَس السّرقة أكثر من مجرّد إضطّراب نفسيّ، بل هو مرآة لضعف الطّبيعة البشريّة أمام الإغراءات. والعلاج الحقيقيّ يبدأ من الدّاخل، من قلب يُشفى لا من يد تُضبط.
في الكتاب المقدّس تأتي الوصيّة الثّامنة واضحةً وحازمة: “لا تسرق” دعوة لحياة تقوم على الأمانة واحترام الآخر، وكلّ اعتداء على ملكيّة الآخر هو، في جوهره، اعتداءٌ على ثقة الله الّتي أودعها في الإنسان، وابتعاد عن صورته التي خُلقنا عليها. من اختبر المسيح يتحوّل من سارق إلى فاعل خير يُعطي من له احتياج (أف 4: 28).