المشهد العالمي لواقع المخدّرات
تكافح الدول لإيجاد حلّ لمشكلة الادمان على المخدّرات وزراعتها وتهريبها وترويجها، وهي مشكلة تثير مع إساءة استعمال المهدّئات والمسكّنات قلقًا عالميًّا حقيقيًّا. ويبلغ عدد المؤثّرات النفسانية الجديدة المعروضة في الاسواق ما يزيد عن 250 مادة غير خاضعة للمراقبة الدّولية ومن بينها المنشّطات التي يُروّج لها أحياناً على أنها “مسكّرات مشروعة” يزيد الاقبال عليها ولم يقدر العلم بعد على تحديد مدى خطورتها. وبالرغم من الاجراءات الصارمة ضد عصابات الاتجار بالمخدّرات التي اتخذتها الولايات المتحدة وعدد كبير من الدّول، لم تفلح هذه الانظمة كما يجب في مكافحة المخدّرات. كما إن توفير العلاج للمدمنين على المخدّرات لا يزال محدودًا ولا يطاول أكثر من واحد على ستة من المدمنين. وفي العام 2011 لوحده سُجّلت 211 ألف حالة وفاة مرتبطة بتناول المخدّرات. وقد وقع معظم هذه الوفيات في صفوف الشّبان. ويبدو أن التكنولوجيا تساهم في تسهيل الاتجار بهذه المواد إذ يعتبر الانترنت مصدراً رئيسياً للامدادات الموجودة في الاسواق.
واقع المخدرات في لبنان
تشير الأبحاث إلى أن استهلاك المخدّرات في لبنان قد ازداد في صفوف الشباب وإن هذه الظاهرة متفشّية في أروقة المدارس والمعاهد والجامعات. وتفاقم الأمر حتى يكاد لا يمرّ يوم يخلو من أخبار عن توقيف تاجر مخدّرات أو عن كشف محاولة تهريب لهذه المواد إلى البلد أو منه. كما نشهد تكراراً على حوادث وفاة شباب أعمارهم ما دون ال 25 بعد تعاطيهم جرعات زائدة من المخدرات.
أجرت إحدى الشركات استطلاعاً للرأي تناولا طلاباً موزّعين على سبع جامعات خاصة في لبنان. وكشف الاستطلاع عن انخفاض مثير للقلق في نسبة أعمار الفئات المدمنة وهي تتراوح بين 14 و16 عاماً. وأكّد الاستطلاع على ما يلي:
36% من الطلاب المستطلعين جرّبوا الحشيشة ولو مرة واحدة.
40% جرّبوا المواد المخدرة.
23% جرّبوا الماريجوانا.
44% يرون بأن الحصول على المخدرات أمر سهل.
51% يعرفون مروّج مخدرات يدير أعماله بين أروقة المعهد أو الجامعة.
14% يسرفون في تناول المهدئات.
ويؤكد هذا كلّه أن سلامة البنية الاجتماعية في لبنان مهدّدة ولا بد من دقّ ناقوس الخطر.
أنواع المخدّرات وعوارضها
تنقسم المخدّرات إلى مجموعات عدّة تتغيّر بتنوعّها العوارض التي تظهر على المتعاطي:
عقاقير الهلوسة (كعقار الأل-أس-دي)
المنوّمات (كالفينوباربيتال)
مثبطات الجهاز العصبي (كالأفيون والهيرويين)
المنشّطات (كالكوكايين والقات والأمفيتامينات)
المهدئات (كالفاليوم)
الحشيش والمستنشقات
تتوزع الاضرار التي تسببها المخدرات على شتى أجهزة الجسم وأعضائه، فتتسبب بالهزال والضعف العام والخمول الذهني والعجز الجنسي وكسل المعدة والامعاء وارتفاع ضغط الدم وتلف الكبد والالتهابات وتصيب بشكل بالغ الدماغ والجهاز العصبي ما يؤدي إلى الصداع والأرق وعدم التوازن الحركي وضعف الذاكرة وغيرها. أما الأضرار النفسية والسلوكية فمتشعّبة وتتفاقم لتؤدي إلى حالات مأسوية تشمل الاكتئاب والتوتر والهلوسة والهستيريا والخمول والشّعور بانحطاط الشّخصية والميل إلى السرقة والانحرافات الجنسية والشّذوذ، وتنتهي بالفصام والجنون والانتحار.
يتحول المدمن في خلال مراحل تعاطيه وإدمانه بمشاكله الصّحية والنّفسية والسّلوكية إلى عبء على عائلته ومجتمعه وإلى مصدر للخيبة والمهانة ليصبح في النهاية مجرماً يلاحقه القانون.
الاسباب التي تؤدي إلى الادمان على المخدرات
عدم إدراك الفرد بمحتوى العقار أو المادة الكيميائية المقدمة له بدافع اللذة والمتعة والهروب إلى عالم آخر.
التربية الاجتماعية الخاطئة وعزله عن المجتمع وضعف الدافع الديني.
المشاكل الأسرية والطلاق وانفصال الأب عن العائلة وعدم الرقابة والمتابعة.
المستوى الاقتصادي المتدنّي وعدم التعليم وقسوة الحياة.
الثراء وتبذير المال عن غير حساب.
التشتّت الأسري وعدم توافر مساحة للحوار بين أفراد الأسرة.
مصاحبة رفاق السّوء ومجالستهم والسهر إلى ساعات متأخرة.
البطالة وازدياد وقت الفراغ وعدم وجود هدف معين للسعي نحوه.
الوقاية والعلاج من المخدرات
يُعتبر الادمان على المخدرات من الآفات التي يصعب الشفاء منها لأسباب عدة ترتبط بشخصية المتعاطي وبطول أمد العلاج الذي قد يستمر إلى سنتين وبعدم توفر العلاج الطبّي والنفسي والاجتماعي لكلّ مدمني المخدّرات. لذا تبقى الوقاية خير علاج.
وتتم الوقاية على المستوى الوطني بحملة توعية للشباب على أساس علمي مدروس أو من ضمن المناهج المدرسية وبالتشهير بالمروّجين وبتطبيق الأحكام الصارمة ضدهم، وبمعالجة مسألة البطالة وبتشجيع الشباب على الرياضة والنشاطات البنّاءة المختلفة. كما أنه يتوجّب تأمين العلاج الطبّي والنفسي للمدمنين وإعادة تأهيلهم.
دور الأسرة في وقاية المراهق من الادمان
تعتبر العائلة العنصر الأهم والأمثل في الوقاية من هذه الآفة. فعلى الأهل أن يتحلّوا بالمعرفة ويكونوا متماسكين ومتحابّين ومتوفّرين لأولادهم ويؤمّنون لهم المجال للحوار والتعبير، وقادرين على مراقبتهم باستمرار والسؤال عن معشرهم، وحسّاسين حيال أي تغيير في سلوكيات ولدهم وبخاصة في حال تعرّضه لأزمات عاطفية أو لمعاناة في التواصل مع أصحابه من الجنسين. كما أن عليهم العمل على تعبئة أوقات فراغ أولادهم بالنشاطات البناءة (ليس بالضرورة المكلفة منها). على الأهل أيضاً تبنّي الاسلوب التربوي الحازم منذ البداية، فمن واجبهم تأمين حاجات أولادهم الجسديّة والنفسيّة وتنمية قدراتهم العقلية، وليس بالضرورة تحقيق كل رغباتهم. فتدريب الولد على الانضباط يساعده على عدم اللجوء إلى أي نوع من أنواع الادمان لأنه سيتمكن من ضبط رغباته وأهوائه. وعلى الأهل تحصين أولادهم بالمعرفة فيشرحوا لهم مضار كل أنواع الادمان وهي متعددة وترتبط ببعضها البعض (كالكحول والتدخين والمخدرات والبورنوغرافيا وغيرها) فيتمكّن الأولاد عندها من التمييز بين الخطأ والصواب.
أما من الناحية الدينية، فقد أثبتت الدراسات العلّمية أن الدين يلعب دوراً هاماً في الوقاية من أخطار المخدرات. ولا يعني هذا حصراً الاكتفاء بإتمام الواجبات الدينيّة كالذهاب إلى الكنيسة وممارسة الطقوس، بل إنه أعمق من ذلك. فعلى الأهل أولاً التحلّي بالايمان وبالسلوك المؤدَّب والأخلاق الحميدة، ثم تعليم أولادهم منذ نعومة أظفارهم على حبّ الله خالق هذا الكون البديع الذي اهتمّ لأمر الانسان وأعطاه قيمة بذاته وله هدف من خلقه. أما وصاياه المدوّنة في الكتاب المقدس فهي لخيرنا. فإن أطعناها صانتنا وإن تجاهلناها خسرنا سلامنا مع الله والناس.