التّقدير مكافأة الإنسان المجتهد. فهو يكون بكلمة، بنظرة، بلفتة، أو بـمكافأة رمزيّة، نظرًا إلى اختلاف أنـماط الشّخصيّات ونوعيّة الأعمال المنجزة. لأجل ذلك، تتعدّد الطّرق في التّعبير عن التقدير وفقًا للغة التّواصل النّاجحة. وتُعتَبَر كلمات التّشجيع إحدى وسائل تعزيز ثقافة التّقدير، وعلى سبيل الـمثال: “هذا رائع، لقد أبدعت – يا له من عملٍ متكاملٍ – فكرةٌ سديدةٌ ومبتَكَرة،” كُلّها عبارات بسيطة وسهلة الاستعمال ولكنّها تشكّل الحافز لتقدّم الشّخص العامل. وبالتّالي، يُبنى التّقدير الذّاتي عند الإنسان بشكلٍ سليمٍ بسبب مساندته بتحفيز إيـجابيّ. وهذا يخلق في داخله حالةً ذهنيّةً ونفسيّةً متوازنةً حاضرةً للمزيد من العطاء والابتكار والعطاء الـمُلهَم. بالإضافة إلى التّواصل بالعين، فإنّ نظرةً مفعمةً بالدّعم والحثّ تصنع الحماسة لاستكمال المسيرة نحو التّميُّز. فهي لبعض الأشخاص أبلغ من العبارات. لذلك فالمسؤول البارع هو مَن يكتشف الطّريقة الناجحة ليُضفي جوًّا مثمرًا ضمن فريقه.
قلّما نـجد من يعي ثقافة التّقدير. ونادرًا ما نحظى بـمديرٍ أو مسؤولٍ يُدرِك أهـمّـيّـة تكريم فريق عمله. وقد فاجأني النّائب القسيس إدكار طرابلسي، المدير المسؤول لمجلّة رسالة الكلمة، أنا وزملاء لي في المجلّة، حين أعلمنا بأنّه يودّ تكريـمنا في أمسية من ليالي مؤتمر معهد اللاهوت المعمدانيّ اللبنانيّ. بعمله هذا استعمل القسيس طرابلسي مفاتيح الحثّ واستحياء الشّغف للمثابرة في العمل بشكلٍ متجدِّد. وبعمله هذا كان مثالًا حيًّا لمسوؤل يَعي كيفيّة التّعامل مع أفراد فريقه ونجح في بثِّ الحيويّة فيهم.
وفي الـمُقابل، هناك مسؤولون ينسون تكريم أشخاصٍ برزوا في مجالـهم، فلا يذكروهم إلّا بعد انتقالـهم من هذه الحياة. وبالتّالي يفقد التّقدير مكانته إذ يُوَجَّه للأقرباء وليس للكفوء أو المُبدِع نفسه. وهكذا تحمل الجائزة إسم شخصٍ غائبٍ لم يستطع رؤيتها أو استلامها أو الإحساس بالرّضا لنوالـها. بالفعل هذا واقعٌ أليم. فالموت يغيِّب الشّخص ومشاعره. وكما قال الفيلسوف وعالم النفس الأمريكيّ وليام جيمس: “أعمق شعور في الطبيعة البشرية هو الرّغبة في أن يكون الشّخص موضع تقدير”. فكيف سيختبر هذا الشّعور إذا لم يكن حيًّا يرزق؟
سُرِرتُ مؤخرًا حين قرأت عن تكريم “نجوم صنعوا مجد تلفزيون لبنان” وجاء في الخبر: “ومن المكرّمين الممثّل الرّاحل فيليب عقيقي عبر شقيقته عايدة، الّتي تسلّمت الدِّرع التّكريميّة من وزير الإعلام اللبنانيّ زياد المكاري، وقالت: الشّكر لمعالي الوزير قليل جدًّا، لأنّه من الأشخاص القليلين الّذِين يفكِّرون بأشخاصٍ نسيتهم الدّولة منذ زمن، علمًا أنّ هؤلاء الأشخاص كشقيقي فيليب ورفاقه، لم يتخرّجوا من أكاديـميّات التّمثيل في ذلك الوقت، بل كان التّمثيل عندهم موهبة من عند الله”. وأسفت لأنّه، ومع مرور الأيّام والسّنوات، بقيت الدّولة غائبة من دون أن تفكّر بـهم إلى أن غابوا عن هذه الدّنيا. وقالت : “أدعو الله أن يـمدّ الوزير المكاري بالصّحّة، ليبقى يفكّر بـهذا اللّبناني المَنسي.” وبناءً على ما تقدَّم، يُشَكِّل التّقدير، وإن للمُكرّم الغائب، دافعًا للجميع ليُعطوا المزيد وليعملوا بامتنان وليُنتجوا أفضل الثّمار. وإذ أتمنّى للجميع التّكريم في حياتهم، يتردّد في ذهني صدى صوت بولس الرّسول قائلًا: “فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ… الإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ”.