من الآفات الكبرى في المجتمع الحديث وفي كلّ بلدان العالم وبين كلّ الطّبقات الاجتماعيّة آفة مكروهة وهي التنمّر. تكاد لا تخلو مجلّة أبحاث علميّة متخصّصة في علم النفس من مقالات حول هذه المسألة. والباحث الّذي يريد الاستزادة من هذا الموضوع سيعثر، ولا شكّ، على مناهل ومصادر توفّر له المعرفة والوضوح عن شخصيّة المتنمّر وعن ضحيّته. ما يهمّني هنا أن أذكر بعضًا من تأثيرات التنمّر على الفرد الذي يقع ضحيّة إنسانٍ متسلّطٍ مريضٍ ومُعقّد نفسيًّا يكره ذاته والآخرين ويتنمّر على أخيه الإنسان.
من تلك المشاكل الّتي تصيب الإنسان الّذي يتعرض للتنمّر:
- فقدان الثّقة بالنفس والشّعور بأنّ سبب ما يحصل مصدره تصرّفاته هو بالذّات، لأنه مقصّر في عمله، أو لعلّة ٍفيه، علمًا أنّه بريء تمامًا وهو ضحيّة، وليس العكس.
- الشّعور بالعزلة والخوف من الآخرين وعدم الثّقة بأحد ورفض الاختلاط والمشاركة في أيّ مظهر إجتماعيّ والسّير شيئًا فشيئًا نحو الانطواء على الذّات والهروب من الحياة الإجتماعيّة.
- السّير بثبات نحو الانهيار النفسيّ والقلق الدّائم والأفكار السّوداويّة واسترجاع الماضي والاستحضار الدّائم للإساءات الّتي تعرّض لها الفرد من قبل المتنمّرين الّذين أساؤوا إليه.
- الغوص في اليأس والتّشاؤم لدرجة كراهية الناس والقِيَم الّتي يقوم عليها المجتمع واعتبار كلّ ما فيها غير مُجدٍ ولا ينفع الإنسان والإنسانيّة.
هذا غيضٌ من فيض من المؤثّرات السّلبيّة الّتي تصيب ضحيّة التّنمّر وتغمسه في بقعة موحلة من الاحباط والضياع. لست بصدد أن أسهب أكثر في هذا الموضوع. ولن أدخل أيضًا في تحليل شخصيّة المتنمّر فهو مُرتكِب ومجرم كبير ولن نجد له أسبابًا تخفيفيّة كون مرضه العقليّ والأخلاقيّ هو سبب تصرفاته، بل على العكس أقترح استحداث قانون يعتبر التنمّر جريمة يُعاقب عليها القانون أسوةً بالاغتصاب والقتل والسّرقة وارتكاب الأفعال المشينة. فقاتل الروح هو كقاتل الجسد والسّارق والمعتدي ومهرّب المخدّرات.
العالم اليوم يزداد قساوةً ووحشيّةً وذلك يعود إلى فقدان العدالة والقِيَم من ناحية، ومن ناحية أخرى فقدان الأخلاق والحنوّ الإنسانيّ يجعل النّاس يُسيئون لبعضهم البعض بشكلٍ يتخطى كلّ حدود.
سؤال للمتنمّر: هل تقبل أن تكون هدفًا للتنمّر؟ لا أظنّ أحدًا منهم يقبل أن يكون ضحيّة تنمّر. لِمَ لا يتعظّ المُتنمّر مما قاله يسوع: “وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا.” (لو 6: 31).