هل بإمكاننا التّكلّم على ضمان “المؤمن الأبديّ”؟ أليس من المفاخرة بمكان أن يدّعي أحدنا بأنّه مُخلّص إلى الأبد؟ إنّ التّعليم المسيحيّ حول يقينيّة الإيمان أو يقينيّة الخلاص، يُشير إلى ثقة المؤمن بالمسيح بأنّه ابن للرّبّ ووارث السّماء معه، على الرّغم من معرفته بأنّه خاطئ مُدان. إنّه كالمجرِم المحكوم عليه الّذي يعفو عنه رئيس البلاد، فهو يعلم أنّه “مُدان” إلاّ أنّه يتيقّن أيضًا من أنّه “معفوّ عنه” بقوّة قانون العفو. هكذا الرّبّ أيضًا، عندما يغفر لنا خطايانا، يؤكّد لنا هذا الغفران أيضًا. فنحن الّذين كنّا تحت حكم الدّينونة بسبب خطايانا، قد برّرنا الله الآب عندما آمنّا بابنه الوحيد، أمّا الرّوح القدس فيؤكّد لنا موقعنا كمُبرّرين في عائلة الرّبّ.
نرى عقيدة “ضمان المؤمن” أينما قرأنا في العهد الجديد. فالمسيح علّمها عندما قال: “خِرافي تَسْمَعُ صَوْتي، وأنا أَعْرِفُها فَتَتْبَعُني. وأنا أُعْطيها حَياةً أبَديَّةً، ولَنْ تَهْلِكَ إلى الأبَدِ، ولا يَخْطَفُها أحَدٌ مِنْ يَدي. أبي الَّذي أَعْطاني إيَّاها هوَ أعْظَمُ من الْكُلِّ، ولا يَقْدِرُ أحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ منْ يَدِ أبي. أنا والآبُ واحِد” (يوحنّا 10: 27-30). وهو أكّد أيضًا: “مَنْ آمَنَ بي ولوْ ماتَ فَسَيَحْيا” (يوحنّا 11: 25).
وبعده علّم الرّسول بولس أنّ “روح التّبنّي” (الرّوح القدس) يشهد للمؤمن ويؤكّد له بنويّته لله (رومية 8: 15-17؛ غلاطية 4: 6)، وبأنّ لا شيء، أرضيًّا كان أم سماويًّا، يمكن أن يفصل المؤمن، المُعيَّن والمدعوّ والمبَرَّر والممَجَّد بحسب قصد الله، عن محبّته (رومية 8: 38-39). لذا، على المؤمن أن “يتيقَّن” من أنّ الله قادر على أن يُخلّصه إلى التّمام وهو يحفظ نفسه إلى الأبد (2تيموثاوس 1: 12؛ فيلبّي 1: 6).
كذلك كتب يوحنّا الحبيب مُشجّعًا المؤمنين أن يتيقّنوا من أنّ لهم الحياة الأبديّة على أساس إيمانهم بالمسيح: “كَتَبْتُ هذا إلَيْكُمْ أنْتُمُ الْمؤْمِنينَ باسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَموا أنَّ لَكُمْ حَياةً أَبَدِيَّةً” (1يوحنّا 5: 13). ويلتقي كاتب الرّسالة إلى العبرانيّين مع هذه التّعاليم عندما يتحدّث عن “يقين الرّجاء” (6: 11) و”يقين الإيمان” (10: 22) اللّذين يتمتّع بهما المؤمن بفضل علاقته الجديدة بالمسيح.
إنّ فحصًا دقيقًا للتّعليم الكتابيّ يكشف لنا أنّ لضمان الخلاص أساسَين: الأوّل موضوعيّ والآخر ذاتيّ. أوّلاً، على الصّعيد الموضوعيّ، فإنّ كلمة الله تؤكّد للمؤمن أنّ الله قد اختاره قبل تأسيس العالم، وأنّ المسيح مات على الصّليب تكفيرًا عن خطاياه، ثمّ قام لتبريره، وهو حيٌّ يشفع فيه أمام الآب، وسيأتي ثانية ليأخذه إلى المجد الأبديّ. إذًا، ضمان المؤمن لا يعتمد على اختبار عاطفيّ، بل على عمل المسيح الخلاصيّ المشهود له والموثوق به. ثانيًا، على الصّعيد الذّاتيّ، يشمل ضمان المؤمن اقتناعًا شخصيًاّ عميقًا، يُولّده الرّوح القدس داخل قلب المؤمن، بأنّ خطاياه قد غُفِرَت بالتّمام وأنّه صار ابنًا لله إلى الأبد.
ومع كلّ هذه التّأكيدات ما زال بعض المؤمنين يُعاني عدم تأكّده من ضمان خلاصه الأبديّ. أمّا ما يُضعِف يقينيّة الإيمان فهو العادات السّيئة، وإهمال كلمة الله، وإطفاء الرّوح القدس وحتّى الاستنزاف الجسديّ والفكريّ. إنّ الاختبار الطّبيعيّ للضّمان الّذي يختبره المؤمن بالإيمان والطّاعة، يوفّر سلامًا وطمأنينة وسط عالم لا سلام فيه، ومحبّة غير أنانيّة للرّبّ والآخر، وثقة في وجه الموت. تدعونا كلمة الله: “لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرارِ الرَّجاءِ راسِخًا، لأنَّ الَّذي وَعَدَ هوَ أَمينٌ” (عبرانيّين 10: 23).