ولّى زمن الخير والبركة عن الأرض واندثر السلام وانكفأت المحبّة متقهقرة إلى الوراء. وها هو الشّرّ يتّكئ على نافذة كوكبنا هامساً أنشودة سوداء لم يسمع مثلها في دواوين بابل.
ليس هذا بكابوسٍ مزعجٍ ولا بفكرةٍ تشاؤميّة، بل هو حقيقةٌ مرّةٌ لا بدّ من الإعتراف بها. ألمشهد كبحرٍ هائجٍ وريحٍ مزمجرةٍ وظلمةٍ دامسة. هناك مجتمعات تعاني من الفقر وهي ضحيّة جشع الطّغاة والمحتكرين وطمعهم. وهناك شعوب ٌ شُرّدت وهُجّرت بسبب صانعي الحروب بإسم السّلام. أمّا التدمير المعنويّ للإنسان فذاك أشدّ أنواع العذابات الّتي قد يتعرّض لها البشر.
فلنأخذ وطننا لبنان على سبيل المثال. إنّه أشبه بسفينة تتقاذفها الأمواج في أحلك ساعات الّليل. مسؤولون يتقاتلون ويتبادلون الاتّهامات، وحكّامُ نائمون و غير آبهين بمصير البلد. وكلّما أوشكت السّفينة على الغرق، كلّما زادت الاتّهامات بعضهم لبعض وما من قائل: أنا المسؤول عن هذه البليّة.
نرى في الكتاب المقدّس في سفر يونان مشهداً مماثلاً لسفينة ٍكادت تغرق وتنكسر بمن فيها بسبب نوءٍ عظيم. وعندما سُئل يونان الّذي كان على متنها عن سبب تلك المصيبة، أجاب أنّها بسببه، إذ كان هارباً من وجه الرّب. وحين سُئل عمّا يجب عمله ليسكن البحر، قال: خذوني واطرحوني في البحر. وكذا حصل. وكلّنا يعرف نهاية القصّة.
ما أجمل هذا الاستسلام وما أحسن هذا الخوف من وجه الله. إنّه النّدم والاعتراف بالخطيئة والعودة عنها. إنّه قول الصّدق ولو على النّفس. وبالعودة إلى بحرنا الهائج وسفينتنا الموشكة على الغرق، نحن بحاجة إلى قول الحقيقة لكي ننجو من الهلاك. فهل من قائل: أنا السّبب. اطرحوني في البحر؟