الموت

لأَنَّ الإِنْسَانَ أَيْضًا لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ. كَالأَسْمَاكِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَالْعَصَافِيرِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِالشَّرَكِ، كَذلِكَ تُقْتَنَصُ بَنُو الْبَشَرِ فِي وَقْتِ شَرّ، إِذْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً.”…

أدخل الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عام 1927 في كتابه “الكائن والزّمن” (Being and Time) مفهوم ال “Dasein” الذي ترجمته “الكائن – هنا”. يشرح هايدغر أنّ هذا الكائن هو الإنسان الموجود في العالم ككائنٍ محدود، مرميّ في الوجود، يحمل منذ ولادته مشروع موته. وهو في معاناة وجوديّة يوميّة تتجلّى في قلقٍ دائم.

بداية لم أجد بدًّا من أن استهل مراجعة مؤلّف القسيس د. إدكار طرابلسي الجديد “رحلة الموت من البيت الأرضيّ إلى البيت الأبديّ”، بجملة للشاعر الألماني ريلكه مأخوذة من الكتاب عينه، صفحة 43. وأقول كلمة حقّ مفادها أن هذا الكتاب يُشَكّل نفحة جديدة في عالم التأليف اللاهوتيّ الدينيّ.

كتب بولس الرّسول في رسالته إلى أهل كورنثوس، “آخر عدوٍّ يُبطَل هو الموت”. فطالما نحن في هذه الأرض سنبقى بحربٍ دائمة مع هذا العدوّ الّذي لا يكفّ عن إشعال النّفس ألماً.

أمام قتام هذه المأساة، تقف الكلمات حائرة، ويهرب صوتي الّذي يعلم أنّ العزاء يأتي من عند الله فقط، فلا مكان لأيّ عبارة تقال. عندها توجّهت إلى إلهي القادر على كلّ شيء راجية منه إرسال تعزية لتلك الأمّ المسحوقة بحجر أكبر من ذاك الّذي سقط على ابنتها الطّفلة وقتلها. وكم تمنّيت لو أنَّ الله يغمرها بالرّجاء ويشفي قلبها المكسور.

عادة لا يتبادر إلى أذهاننا أنّ هذا اليوم قد يكون الأخير من حياتنا. فكرة انتهاء حياتنا، أن نموت وننتقل من هذه الدنيا، بعيدة عن تفكيرنا مع أنّها قريبة من مصيرنا. نعرف في قرارة نفوسنا أنّ اليوم سيأتي ولكن لا نعيره اهتمامًا في سلوكيّاتنا وفي تخطيطنا للمستقبل. لربّما يحتاج الأمر اتّخاذ قرار لا مجرّد تفكير وتأمّل!