لقد نادى المسيح النّاس: “توبوا وآمنوا بالإنجيل!” ومنذ أن أخطأ آدم وحوّاء، ودخلت الخطيّة الإنسان، انفصل البشر عن الشّركة المباشرة مع الله، وما زالوا يعتقدون أنّ الممارسات الدّينيّة قد تُعيد وصل ما انقطع! وهكذا، صنع الإنسان طرقًا طقوسيّة متنوّعة متمنيًّا إرضاء الله بها! أمّا المسيح، فلم يأتِ ليزيد حياة النّاس تديّنًا، بل جاء ليُجري تغييرًا جذريًّا في داخل الإنسان. وإن كانت الشعائر الخارجيّة تُريح الإنسان إلى حدّ ما، إلاّ أنّها لا تُساعده على اختبار حلّ حقيقيّ لما يتخبّط به.
أمّا الإنجيل الّذي نادى به يسوع، فهو ما عمله هو لأجل الإنسان؛ فإنْ آمن الإنسان به نال الحرّيّة ووجد السّلام والرّاحة اللّذين يبحث عنهما. بينما في أعمال التقوى يعمل الإنسان أعمالاً لإرضاء الله، نرى في الإنجيل ما عمله الله من أجل الإنسان. وما الّذي عمله الله من أجل الإنسان بحسب الإنجيل؟ لقد تجسّد المسيح الإله باحثًا عن الإنسان المُتعَب بخطاياه، ومات بديليًّا عنه وقام لتبريره. إذًا، الإنجيل هو رسالة الله المُحِبّ الّذي “أحبّ العالَم حتّى بذَل ابْنَه الوَحيد، لِكَي لا يَهْلِك كلّ مَن يُؤمِن به، بل تكونُ له الحياة الأبديَّة” (يوحنّا 3: 16). وفوق هذا، نرى في الإنجيل أنّ الله يُنادي النّاس باستمرار: “تعالَوا إلَيَّ يا جَميعَ المُتْعَبين والثَّقيلي الأحْمال، وأنا أُريحُكُم” (متّى 11: 28). فما يبحث عنه الإنسان المتديّن، من سلام وراحة ضمير، موجود فقط في بشارة الإنجيل، وما عليه إلاّ أن يقبله بالإيمان. إذًا، الأمر لا يعود فيما نعمله من فروض وتهذيبٍ للنّفس، والّذي قد ينجح بعض الشّيء في تحسين الأخلاق والتصرّفات ولكنّه لن يُغيّر ما بالدّاخل تغييرًا كليًّا، بل هو فعل تغيير جذريّ داخليّ عميق يحصل عندما يُسلّم الإنسان أمره إلى المسيح بالإيمان. اختبر بولس الرّسول هذا التّغيير العجيب، وهو الآتي من مدرسة التّديّن الفرّيسيّ المتشدّدة، فعندما عرف مَن هو يسوع وما فعله لأجله، سلّمه أمره فوُلِد من جديد، واستطاع أن يقول: “إذًا إنْ كان أحَدٌ في المسيح فهو خَليقَة جديدة: الأشياء العَتيقَة قد مَضَت، هُوَذا الكلّ قد صار جديدًا” (2كورنثوس 5: 17). هذا ما يفعله الإنجيل بنا، إذ ينزع عنّا القديم مع كلّ نجاساته ويُلبسنا الجديد بكلّ قداسته. فالإنجيل هو قوّة الله للخلاص لكلّ مَن يُؤمِن (رومية 1: 16).
على الإنسان المتديّن أن يسأل نفسه عمّا يرجوه في الحياة والآخرة؟ هل يتمسّك بخيارات يظنّها تُغيّره وتُدخله السّماء، بينما المطلوب منه أن يقبل ما عمله المسيح عنه فتكون له الحياة الجديدة والأبديّة الّتي جاء ليُعطيها مجّانًا لِمَن يقبلها؟ الحكمة تقضي الاعتراف بالضّعف البشريّ، وقبول الهبة الإلهيّة كما قدّمها يسوع لخلاص النّاس.